أظافر مكسورة، أقدام متسخة، أثداء مذهَّبَة، ريش، ألماس، بطاطا، بيض، وتفاح: هذه هي عناصر الصورة لدى الفنانة الشابة التي يُختتم اليوم معرضها الشخصي الخامس في عمّان
أحمد الزعتري
هذه هي العناصر، فأين الصورة؟ الصورة هي الرسالة التي تظهرها هذه العناصر بحسب ابنة الثالثة والعشرين. تنكبُّ سمر حزبون على إنجاز الصورة، كما لو أنها مشهد من فيلم؛ فتُحضِّر عملها متمنية أن تقبض على روح الفكرة أثناء العمل، والفكرة تتضح دوماً عند التركيب، وهي دوماً تحمل رسالة إنسانية.

في معرض Possessing Imagination (خيال مسيطر) الذي يُختتم اليوم في غاليري «رؤى» (عمان)، تعرض حزبون 31 صورة يغلب عليها الأبيض والأسود. وفيها تتطرّق الفنانة الفلسطينية التي تدرس العلاقات الدولية في براغ، إلى حالات ومظاهر إنسانية، من تعرية للجسد غير المثير، إلى التنكيل بعصر الاستهلاك.البطولة هنا للأيدي والأقدام... والجسد، إذ تطّلع حزبون على التجارب الفوتوغرافية الأوروبية لتلاحظ أن معظمها يركز على الجسد المثير، كأنّنا جميعاً نمتلك أجساداً مثالية، فتتوقف لتقدّم رؤيتها عبر كاميرا Sony H1 البسيطة المهمات وغير الاحترافية.
عالمٌ آخر من أيدٍ متسخة بأظافر مشوّهة، وأقدام سمينة بأصابع غير متناسقة، تلوّنها وتضيف إليها عناصر من الطبيعة: أوراق شجر، خضروات وفواكه، وبيض يسيل زلاله على أعضاء بشرية. وهنا تفسر حزبون تلك النزعة بأنّ البيضة التي تسيل خلاصتها على يد امرأة ما هي إلا تعبير عن الجوع. وعلى رغم سذاجة الطرح، إلا أننا نتذكّر أن الفن ليس نخبوياً بالضرورة، وخاصة الفن الذي يحمل رسالة يحبّ صاحبها أن تصل إلى رجل الشارع قبل الناقد.
صورة أخرى مكرّسة لموضوع الجسد، صوّرت فيها حزبون ثدي امرأة سوداء، بعدما لوّنته باللون الذهبي، تمسكه بيدها. الصورة فنية بامتياز، فتسرّب الذهبي إلى تقاطيع الجلد ومساماته يضفي على الصورة حسّاً وحشياً. تفرح حزبون عندما يخبرها الحضور بانعدام حس الإثارة في هذه الصورة، فترد بأن للجسد قدسيته التي يجب أن يصبغ بها، مهما كان شكله. أما الثدي المذهَّب، فإشارة إلى استغلال الأمومة والأنوثة.
وبينما تفنّد رموز تلك الحالات الإنسانية المضطهدة، تنتقل الفنانة وراء الكاميرا لتصوّر صراعاً من نوعٍ آخر: الصراع الداخلي للأنثى المُستَهلكة، بأكسسواراتها ومجوهراتها وماكياجها وريشها المُتكلِّف. ففي صورة ملونة، تلتقط صورة لنفسها وهي تحمل بيد طُليت أظافرها بالأحمر أمام وجه مضمّخ بكريمات التجميل، في فكرة واضحة ومباشرة وهي: تأطير الأنثى.
ومن هذه الثيمة أيضاً، يصل التمازج بين الفكرة والفن عند حزبون ذروته، فتظهر نفسها في مجموعة صور وهي تلتهم مجوهرات وأكسسوارات بواسطة ملعقة، مقرّعة نفسها وجنسها ومن يتحكّمون بصورة الأنثى النمطية. ومجموعة صور أخرى، وقد أحاطت نفسها بالريش، كإشارة إلى تغريب الجسد إلى حدّ الاستعانة بأعضاء مخلوقات أخرى لتجميله.
معرضٌ ناجح لمصورة شابة لم تدرس التصوير أكاديمياً، بسبب ممانعة العائلة. لكن التقنية التي اختارتها هنا تبشّر بالكثير، وهي تقنية الـ Close Up أو اللقطة المقرّبة التي تعدُّ اختباراً حقيقياً للمصورين المحترفين، في الحفاظ على حيويّة الصورة. هذا الأمر نجحت سمر حزبون في تحقيقه من خلال كاميرا لا تراها «على قدر أحلامها». المطلوب إذاً تجهيزات مناسبة، واطلاع حقيقي على التجارب العالميّة المختلفة.