يوماً بعد آخر يفرض نفسه رمزاً من رموز الجاز الأوروبي المعاصر، وأحد أبرز المجدّدين فيه عموماً. عازف الترومبيت الفرنسي الذي شُبِّه بالعملاق الراحل مايلز دايفس، يقدّم مشروعه الجديد في لبنان ثم في سوريا، قبل أن تصدر الأسطوانة مطلع العام المقبل
بشير صفير
يُختتَم مساء اليوم برنامج «مهرجانات بعلبك الدولية» مع أمسية موسيقى كلاسيكيّة يقدّمها عازف البيانو عبد الرحمن الباشا، فيما تقدّم «بيبلوس» آخر فعالياتها مع عروض «عودة طائر الفينيق» لمنصور الرحباني، بعدما أقفلت أبواب «بيت الدين» لهذا الموسم في 12 آب (أغسطس) الحالي مع مغنّي الأوبرا ماتيو وعازف التشيلو نسيب الأحمدية. من هنا، اعتقدنا أنّنا سنأخذ «استراحة» من الموسيقى كي نجدّد شغفنا بها، لكنّ «ليبان جاز» كان لنا بالمرصاد... إذ نحن على موعد الثلاثاء المقبل (26 آب/أغسطس الحالي) مع أريك تروفاز في «ميوزكهول». يعود عازف الترومبيت الفرنسي (من أصل سويسري) إلى لبنان في زيارة ثالثة، بعدما استضافته مهرجانات «بيبلوس» في صيف 2004 قبل زيارته الثانية في إطار «ليبان جاز» (نيسان/أبريل 2007).
في الزيارة الأولى، التقى أريك تروفاز (1960) مع فرقته الجمهور اللبناني الذي يعرفه من خلال أسطواناته المنتشرة بكثرة في لبنان، وخصوصاً ألبومي The Dawn (١٩٩٨) وBending New Corners (١٩٩٩) اللذين قدّما جديداً لمحبّي الجاز الكلاسيكي وطالا ذوق الشباب الباحث عن صوت عصري يتفاعل مع أذنه «الإلكترونية».في الزيارة الثانية، ذكّر تروفاز في جزء من حفلته باللقاء الأول، لكنّه كشف عن وجهٍ آخر، إذ طرح مشروعه الجديد آنذاك وقد أتى ثمرة احتكاك بالجاز الروسي، وحمل عنوان مدينة روسية (أرخنغلسك). ماذا إذاً عن حفلة الثلاثاء المقبل؟ سيطلِعنا تروفاز على احتكاكه بالموسيقى الهندية بعد رحلات استكشاف لهذه الثقافة الشرقية، خاضها في الفترة الأخيرة هذا الموسيقي المنفتح بلا حدود. إنّها الرحلة الثانية إلى الشرق، إذ سبق أن أصدر تروفاز ألبوماً بعنوان «سلمى»، بُعَيد جولته إلى الشرق الأوسط.
يوماً بعد يوم، يكرّس تروفاز نفسه رمزاً من رموز الجاز الأوروبي المعاصر وأحد أبرز المجدّدين في الجاز عموماً. شُبِّه بالعملاق الراحل مايلز دايفس من حيث العَصْرَنة الدائمة من دون ضوابط، وبسبب ميزة أخرى قائمة على فرادة صوت آلته. كما في العلاقة مع موسيقى مايلز، يكفي أن نستمع إلى مقطوعة واحدة لتروفاز لكي نتمكّن من التعرّف إلى أي نوتة منه نسمعها للمرة الأولى. لم يَعد الجاز معه ومع حفنة من أقرانه في أوروبا، أحاديّ الهوية، أي أميركياً. وهذا ما حصل تاريخياً ــــ ولكن في الاتجاه المعاكس ــــ للموسيقى الكلاسيكية الأوروبية، عندما ولدت في أميركا القرن العشرين تيّارات، إن لم تضاهِ الذروة الأوروبية (بين النصف الثاني من القرن السابع عشر ومطلع القرن العشرين)، فقد نافست بل تخطّت الأوروبي المعاصر.
من هذه المقاربة، يأتي ثقل المسؤولية المُلقى على عاتق تروفاز وأترابه، في مشروعه الجديد الهادف إلى تعزيز «الجاز الأوروبي»، وذلك من خلال الآلية ذاتها التي اعتمدتها المدرسة «المُأمرِكَة» للكلاسيكي الأوروبي: الاحتكاك بالفلسفة الموسيقية الهندية. فهل ينجح في إعادة التوازن من باب الجاز إلى أوروبا، لرأب الخلل الذي أحدثته أميركا من الباب الكلاسيكي؟ إنّها لعبة ثقافية تاريخية مُتعِبة جداً لمَن يتابعها ويُحسن تحليل تطورها، مذ بدأها أواسط السبعينيات عازف الغيتار وأحد رموز الـ«فيوجن» الإنكليزي جون ماكلافلن (مشروع بعنوان «شاكتي» مع عازف الطبلة الهندي، الأسطورة زكير حُسين).
كيف وُلِد «المشروع الهندي» في مسيرة أريك تروفاز؟ وأين أصبح؟ تعود جذور توجّهه بمزاوجة الموسيقى الهندية بالجاز إلى كانون الثاني (يناير) من عام 2007، عندما كان عازف الترومبيت وفرقته في جولة حطّت به في مدينة كالكوتا، وذلك برفقة عازف البيانو البرازيلي مالكولم براف الذي سبق أن مدّ الجسور مع ثقافات موسيقية أخرى. هكذا، تركت المدينة وصخبها وموسيقيّوها أثراً حتمياً على الفرقة. وسرعان ما عاد إليها الثنائي تروفاز ــــ براف مطلع عام 2008 ليعزف إلى جانب ثنائي هندي كان قد شارك بشكل عابر خلال الزيارة الأولى (المغني وعازف السيتار إنديراني ماغريجي وعازف الطبلة أبوربا ماغريجي).
بعد الهند، جال «المشروع الهندي» في أوروبا حيث لاقى ترحيباً استثنائياً من الجمهور، وها هو يصل اليوم إلى بيروت، ومن بعدها إلى طرطوس (27 آب/ أغسطس) فدمشق (28/ ٨)، ضمن مهرجان «جاز في سوريا ــــ 2008» الذي ينطلق اليوم. هكذا ستتاح للجمهور فرصة التعرّف إليه، يتعرف قبل أن تصدر التجربة في ألبوم خاص عند «بلو نوت» مطلع 2009. كيف ننسى هذا الأسبوع الموسيقي التاريخي الحافل، حيث التقينا زياد الرحباني في الشام، كما التقينا في بيروت: وردة، وعبد الرحمن الباشا... وإريك تروفاز؟
التاسعة من مساء الثلاثاء 26 آب (أغسطس) الحالي ــــ «ميوزكهول» ـــــ 03/807555
www.libanjazz.com
www.eriktruffaz.com