بعد سنوات من هيمنة موسيقى الراي، واحتلالها مكان الصدارة في باريس، جاءت هذه الفرقة في عام ٢٠٠٥، لتعيد الاعتبار إلى التراث الكلاسيكي العربي لدى الجمهور الفرنسي
حسين السكاف
يوسف المنيلاوي، أبو العلاء محمد، السيد الصفطي وعبده الحمولي في باريس، هكذا بكلّ ببساطة. وذلك بفضل مجموعة من الفنانين الذين اتخذوا الموسيقى هواية وعشقاً، أكثر منها مهنة.... خليط من أساتذة ومختصين في الطب والهندسة والتجارة والوظائف الحكومية، تجمعهم علاقة متينة بالتراث الكلاسيكي العربي، متعة وثقافة، وقد تمرّسوا بأصوله كما المحترفون... وباتوا يقفون على المسارح لينشدوا الأدوار والموشحات والطقاطيق، وصار للفرقة التي تضمّهم اسم وجمهور. إنّها فرقة «تخت التراث» التي ذاع صيتها في أوروبا وبعض العواصم العربية، وصارت سفيرة التراث الموسيقي والغنائي العربي.
فرقة «تخت التراث» التي أحيت أخيراً حفلة في «معهد العالم العربي» في باريس، أخذت جمهورها إلى عالم الطرب الأصيل. وهدفها «إنتاج أعمال فنية موسيقية جادة تستمدّ مادتها من منابع الموسيقى الكلاسيكية وأصولها، لا سيما فنّ المقامات والأدوار الموسيقية الذي شهد تطوراً مهماً خلال الفترة الممتدة بين الربع الأخير من القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين». هكذا يقول لنا قائد الفرقة ومؤسسها المغربي عبد الرحمن كزول الحاصل على شهادة الدكتوراه في الهندسة الإلكترونية، ويضيف: «الفرقة تحظى بسمعة طيبة داخل الأوساط الفنية الفرنسية والعربية، لأنها تهتمّ بالحفاظ على التراث الموسيقي والغنائي العربي، بغض النظر عن منبعه إن كان عراقياً أو لبنانياً أو مغربياً. وهناك الكثير من الناس يأتون إلينا باستمرار كي ينضموا إلى الفرقة ويتعلموا الإنشاد. أحياناً، يصل تعداد الفرقة إلى 40 أو 50 منشداً». وعبد الرحمن كزول هو منشد الفرقة الأول، يرافقه في ذلك طبيب من فلسطين ومهندس تونسي، إضافة إلى الكورال الذي يضم بين ثناياه أصواتاً متمكنة، تتقن الإنشاد وأصوله ولا ينقصها التطريب.
تأسست الفرقة عام 2005، وبصورتها الحالية تتكوّن من عناصر تشبّعت بفنّ التراث الغناء العربي الأصيل. هؤلاء وإن كان مستواهم احترافياً، فهم قبل هذا عشّاق هذا الفن ولهم فيه دراية ودراسة. الموهبة والدراسات الأكاديمية ميزات مهمة لعناصر هذه الفرقة. وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، أحيت العديد من الحفلات في باريس وغيرها من العواصم الغربية، فكان لها جمهورها الذي يعشق هذا اللون من الغناء العربي. صحيح أنّ موسيقى الراي تعدّ الطابع الموسيقي العربي الغالب في باريس، وخصوصاً عند الشباب، لكن وبعدما ذاع صيت الفرقة وتوافد الجمهور عليها، بدأت التوجّهات تأخذ منحى آخر، حيث انضم الكثير من الشباب إلى الفرقة أعضاء وجمهوراً.
قد تبدو الفكرة التي تتبناها الفرقة صعبة بعض الشيء، إلا أنّها ممتعة في الوقت نفسه، وهذا ما يعترف به أغلب أعضائها: الحفاظ على التراث باختلاف ألوانه الفنية، يكمن في الاختيار الذكي بين القديم والجديد لما يناسب الذائقة العامة وثقافة العصر. ويؤمن أعضاء الفرقة بأنّ ممارسة الغناء والموسيقى، يجدّد نشاطهم خلال عملهم اليومي وتأدية وظائفهم.
وتقول المنشدة المغربية فيروز، إنّها تعلّمت الجدية في تقديم الغناء الأصيل من خلال اشتراكها في الفرقة، حيث لا مجال للخطأ إطلاقاً. وتضيف: «قدمت الموشحات الأندلسية وأدواراً عدة، كما قدّمت ألواناً شرقية كأغاني أم كلثوم، وعبد الوهاب بالخياط، وعبد الوهاب الدوكالي، وإسماعيل أحمد... أغان أطربت الجمهور العربي والفرنسي».
تعتمد «تخت التراث» في إنتاجها الفني على رصيد التراث الموسيقي العربي الكلاسيكي لأغلب الدول العربية، إضافة إلى الموشحات والموروثات الموسيقية الأندلسية... ويحظى التراث الموسيقي المصري باهتمام خاص لديها. من هذه المعادلة الدقيقة صنعت الفرقة رصيدها، حاملة الوجه المشرق للحضارة العربيّة ــــ الإسلاميّة إلى فرنسا، في زمن التشنّجات السياسيّة والثقافيّة على اختلاف تجلياتها...

www.attourath.com