المكان: نقابة الصحافة في بيروت. الزمان: الثانية عشرة من ظهر أمس. والمناسبة: رئيس تحرير «إذاعة فرنسا الدولية» السابق، يطلق حملة استنكار لطرده من عمله بشكل تعسفي
سناء الخوري
«يريد كبار المسؤولين في وكالات الإعلام، صحافيين مبرمَجين لتلقّي الأوامر من اللوبي الصهيوني وحده». هذا هو السبب الحقيقي لتسريح ريشار لابيفيير من عمله في «إذاعة فرنسا الدولية» على خلفية إجرائه مقابلة مع الرئيس السوري بشار الأسد (راجع «الأخبار» عدد 18 الحالي)، وفق تأكيده في المؤتمر الصحافي الذي عقده ظهر أمس في نقابة الصحافة في بيروت. أمّا بالنسبة إلى عدم تبليغه إدارة «راديو فرانس أنترناسيونال» وTV5 monde بالمقابلة التي بثّت في التاسع من الشهر الماضي، فلم تكن إلا «حجة تخفي المرض الذي يضرب جسد الصحافة الفرنسيّة».
الرابط الوجداني الذي يجمع لابيفيير ببيروت حيث عمل مراسلاً للتلفزيون السويسري مطلع الثمانينيات، لم يكن السبب الوحيد ليبدأ حملته منها، بل لأنّ «مستوى التعددية في الصحافة فيها، أعلى مما هو عليه في باريس»! إطراءٌ تلقّفه نقيب الصحافيين محمد البعلبكي الذي رأى أنّ قرار طرده من العمل «قرار مجحف بحق كلّ الإعلام في العالم». لم يخفِ لابيفيير، المناصر للقضايا الفلسطينية والعربية، عتبه على وكالة الصحافة الفرنسيّة التي تجمّد منذ 10 أيّام، 4 برقيّات، بينها بيان مشترك صادر عن نقابات الصحافيين الكبيرة تندد بتسريحه. لكنّه، في المقابل، لفت إلى أنّ اتخاذ هذا القرار أثناء العطلة الصيفية في فرنسا بين 15 تموز (يوليو) و1 أيلول (سبتمبر)، جاء ليمرّ الأمر بهدوء، من دون أن يثير ردود فعل كبيرة لدى الرأي العام.
إلا أن لابيفيير يعوّل على زملائه الذين لن «يسكتوا عن هذا التحوّل الخطير». كما يتهم الإعلاني آلان دو بوزيلاك (رئيس «فرانس موند») وكريستين أوكرنت (زوجة برنارد كوشنير، والمدير العام لـ«فرانس موند»)، بتوجيه الإعلام الخارجي في فرنسا، في إطار فرض قراءة واحدة مؤيّدة لإسرائيل، تستعيدُ ازدواجية الخير والشر التي يرددها مستشارو بوش. من جهة ثانية، يؤكّد لابيفيير أنّّه لا يعقد هذا المؤتمر كصحافي متنازل بل كصحافي غاضب من هذا التصنيف الذي «حوّل مناصرة العرب أو الفلسطينيين في الإعلام الفرنسي إلى جريمة، تبرّر كلّ الاغتيالات المهنيّة». يعتقد لابيفيير أنّه وقع ضحيّة اختلاف المقاربات في إطار إعادة الحرارة للعلاقات المجمّدة بين باريس ودمشق، وخصوصاً أن نظرة «الإليزيه» تختلف عن نظرة وزير الخارجيّة الفرنسي برنار كوشنير. لكن هذه التجاذبات لن تمنعه من مواصلة عمله كصحافي، لأنّه يدرك أنّ ما حصل سيتفاعل قريباً وسيأخذ الأبعاد التي يستحقها. «لن أجعل هذا القرار يقتلني مهنيّاً من دون أن أقول شيئاً». لذا، ينتظر أول الشهر المقبل، للعمل على المستوى القضائي والنقابي والإعلامي ليأخذ حقّه. من ناحية ثانية، يرى أن إقالته هي نقطة تحوّل كبيرة نحو زيادة الوصاية على الإعلام الفرنسي وتوحيد لهجته. أمّا عن سبب توقيت مؤتمره الصحافي بين زيارة كوشنير إلى بيروت وزيارة ساركوزي إلى دمشق مطلع الشهر المقبل، فيقول إنه لم يكن يريد استفزاز الدبلوماسي الفرنسي بإقامة مؤتمر صحافي يضيف المزيد من المشاكل إلى جدول أعماله المزدحم. في المقابل، يراد من خلال هذه الخطوة، لفت نظر الرئيس الفرنسي وقد «تنبّهه مقالاتكم لفهم ما يحصل، ولكن هذا يعتمد على قدرته على الاستماع».