بيار أبي صعبالقاسم المشترك بين فناني الموسم، يكاد يكون، كما ذكّرت مي عريضة، رئيسة اللجنة والشاهدة التاريخيّة على ذاكرة المهرجان، «الجذور اللبنانيّة» لعدد من المواهب العالميّة: من المكسيك (أستريد حدّاد) إلى فرنسا (عبد الرحمن الباشا)، مروراً بالجزائر (وردة، لمن لا يعرف، لبنانيّة الأم)... كان يكفي أن نجد جذراً لبنانيّاً ما للمغنية البرازيليّة تانيا ماريا، وللسوبرانو الأرمنيّة هاسميك بابيان، كي يكتمل النصاب. هذا من دون أن ننسى طبعاً Mika «نابغة البوب الجديد» (لبناني الأم والمولد) الذي تأتي حفلته في وسط بيروت ثمرة شراكة جديدة من نوعها بين «بعلبك» و«بيت الدين».
كان هناك حضور لافت لـ«مهرجانات بيت الدين الدوليّة» في المؤتمر الصحافي لإطلاق بعلبك. نورا جنبلاط، رئيسة التظاهرة «المنافسة»، جلست على المنصّة. هذا شيء لم نرَه من قبل. ومن الواضح أننا نشهد بداية عهد جديد من التنسيق والتكامل والتعاون بين المؤسستين، بدلاً من المنافسة العمياء التي كان يستفيد منها مديرو أعمال الفنانين لرفع الأسعار، كما ذكرت الستّ نورا التي لفتت في النهاية، إلى أن «المهرجانات اللبنانيّة باتت تواجه منافسة إقليميّة قويّة، من مؤسسات تملك إمكانات ماديّة هائلة». على المنصّة أيضاً، جلست معالي الوزيرة السابقة ليلى الصلح حمادة، ممثّلة «مؤسسة الوليد بن طلال الإنسانيّة» التي دعمت المهرجان إلى جانب مصارف ومؤسسات ماليّة واستثماريّة مختلفة.
لكن البرنامج، أين البرنامج؟ أخيراً مي عريضة، بصوتها الخافت والحازم في آن، بـ«تايورها» الشانيل الزهري، ثابتة كفرعون، تتكلّم بلياقة أريستقراطيّة على وتيرة واحدة، لتعرّفنا إلى نجوم بعلبك هذا الصيف. ويتناوب أعضاء اللجنة على الميكروفون لتقديم كل فنّان بشيء من التفصيل، قبل أن تتولّى لقطات الفيديو إعطاءنا فكرة ملموسة عن كلّ من الأمسيات الخمس.
هناك أوّلاً أمسية ميكا ــــ صاحب الصوت ذي الأوكتافات الأربعة ــــ في وسط بيروت (27 تمّوز/ يوليو). ينتظر المنظمون 15 ألف مشاهد، وتتراوح أسعار البطاقات بين 105 آلاف و300 ألف ليرة لبنانيّة (جلوساً)، و25 أو 50 ألفاً (وقوفاً)، لمشاهدة الفنان الشبابي الذي يأخذ موسيقى البوب ـــ عبر «أبعاد ثلاثة» ـــ إلى أماكن غير متوقّعة. الموعد البعلبكي الأوّل سيكون مع أستريد حدّاد (2 آب/ أغسطس) الديفا الـ«بوست مودرن» الآتية من المكسيك، حاملة معها خزانة ملابسها ذات اللأوان الفاقعة والزاهية التي تشكّل عنصراً حيويّاً من استعراضها. تستوحي أستريد ملابس استعراضاتها من لوحات مواطنتها فريدا كاهلو، وقد اخترعت أسلوباً فنياً خاصاً هو الـ Heavy Nopal الذي يدمج المسرح والكاباريه والفن التشكيلي والفنّ الشعبي والتراث البصري المكسيكي... كما يجمع بين الأغنية الشعبيّة وموسيقى الرانشيرا وإيقاعات الرومبا وأنغام الروك والسون والبوليرو.
ويسجّل البرنامج وقفة مع الغناء الأوبرالي، مستضيفاً السوبرانو هاسميك بابيان (9/ 8) التي ستؤدّي آرياس من أعمال روسيني ودونيزيتي وبوتشيني وفيردي... يرافقها على البيانو آفو قيومجيان. قبل أن يحين موعدنا مع الجاز البرازيلي كما تقدّمه تانيا ماريا (16/ 8) مع الرباعي الذي يحمل اسمها. تزاوج هذه الفنانة، صاحبة الصوت الدافئ والحسّي، بين الإيقاعات البرازيليّة كالسامبا وأنغام الجاز، وقد سمعناها في لقطة فيديو عابرة تعزف على البيانو وتقدّم نسخة خاصة جداً من أغنية «بيسا مي موتشو» الشهيرة. ما يغري بالاستماع إلى المزيد!
للطرب الأصيل أيضاً مكانه في بعلبك هذا الصيف، مع وردة الجزائريّة (21/ 8) التي تعود بعد ثلاثة أعوام لتقف على المسرح نفسه، وينبعث معها تاريخ عريق من الغناء الأصيل فيه شيء من عبق الجزائر والكثير من العصر الذهبي للموسيقى المصريّة التي احتضنتها على امتداد النصف الثاني من القرن العشرين، فغنّت ألحان رياض السنباطي ومحمد عبد الوهاب وبليغ حمدي وفريد الأطرش ومحمود شريف وسيد مكاوي وكمال الطويل، والقائمة تطول. أما مسك الختام، هذا الصيف في بعلبك، فموعد مع الموسيقى الكلاسيكيّة، في أمسية يحييها عازف البيانو العالمي عبد الرحمن الباشا (23/ 8). عبد الرحمن بغنى عن التعريف في لبنان، لنكتفي بالقول إنّ الصحافة العالميّة المتخصصة حيّت تسجيله لسوناتات بيتهوفن الكاملة كحدث بارز في مسار الموسيقى الكلاسيكيّة. في بعلبك سيعزف باخ وبيتهوفن وشوبان ورافيل... وسيلتقي روح والده توفيق الباشا، إذ يعزف مقطوعتين من تأليف الموسيقار الراحل: «روندو أورينتال» و«حنين».

للحجز: 00961,1,373150
www.baalbeck.org.lb