كل الضربات مسموحة في الحرب الدائرة بين تكتلات الإنتاج والتوزيع في السينما المصريّة: من خداع الجمهور إلى التلاعب بإيـرادات الأفلام... ولمَ لا؟ فـ«الورق ورقنا والدفاتر دفاترنا»!
محمد خير
إذا دخلت دار عرض سينمائية مصرية، وخاصة في الموسم الصيفي الحالي لشراء تذكرة دخول أحد الأفلام، وأخبرك موظّف الشباك أنّ الفيلم «كومبليه»، فلا تشترِ تذكرة فيلم آخر. تأكد أولاً من أنّ قاعة فيلمك ممتلئة، وأنّ الأمر ليس مجرد لعبة منتجين أو موزعين!
الصراع الذي احتدم منذ سنوات بين تكتلات الإنتاج والتوزيع السينمائية المصرية ـــــ وهو يحتوي ضمناً الشركاء الخليجيين ـــــ انتقل من صراع على مواعيد عرض الأفلام أو اقتناص أكبر عدد من شاشات العرض لأفلام معينة، إلى «تمويت» أفلام أخرى، لتتطور أشكال الصراع حدّ توجيه الجمهور داخل دور السينما. تلك التي تحتوي الواحدة منها على ثلاث شاشات أو 12 شاشة عرض، لضمان إيرادات أفلام معينة، ووقف نمو إيرادات أفلام أخرى.
لكن لماذا تقوم دار العرض بذلك؟ أليست مصلحتها أن تفوز جميع الأفلام المعروضة عبر شاشاتها بأكبر قدر من الإيرادات؟ يبدو الواقع أكثر تعقيداً! فمعظم الدور مملوكة لموزعين يشاركون أيضاً في عملية الإنتاج. بالتالي، فإن أولويّات صاحب دار العرض في تشجيع رواج هذا الفيلم أو ذاك، تتغيّر تبعاً لحصّته في الإنتاج أو ملكيّته لحقوق التوزيع... وهي تهمّه أكثر من عائداته كصاحب صالة، من فيلم يملكه منتج منافس.
لكنّ هذا التعقيد يبدو بسيطاً، إذا قورن بألاعيب شركات الإنتاج والتوزيع لإنجاح أفلامها ولو دعائياً. فحتى لو لم يجلب الفيلم الإيرادات المرجوة، لا داعي لأن يعلم أحد بذلك! فالشركة تعلن أرقاماً لا علاقة لها بالإيراد الحقيقي للشريط، وهو ما يمكنها فعله، لأنّها ببساطة موزعة الفيلم. أي إنّها تتحكم تماماً بالمراحل الثلاث لاستثمار العمل السينمائي: الإنتاج والتوزيع والعرض. ولا يمكن لـ«غرباء» أن يتدخلوا في التقويم الإنتاجي. إنه منطق «الورق ورقنا والدفاتر دفاترنا»، كما تقول العبارة الشهيرة في فيلم صلاح أبو سيف «الزوجة الثانية».
في ظل ذلك الوضع، ليس غريباً أن يوجهك موظف التذاكر إلى حضور فيلم دون آخر. وهناك حيلة أكثر شيطانية: يقدم لك تذاكر تختلف عن تذاكر الفيلم الذي طلبت مشاهدته، طبعاً يكتشف المشاهد ذلك في مدخل صالة العرض، فيُعتذر منه بابتسامة لطيفة، ويدخل بالتذاكر التي بحوزته إلى الفيلم الذي أراد دخوله، فيشاهد فيلمه المفضل، لكن التذاكر التي اشتراها تصب في إيرادات الفيلم الآخر!
أمّا شركات الإنتاج فقد تُعلن إيرادات مبالغاً فيها لمصلحة نجم ما، وضد نجم آخر، مع أن فيلمه للمنتج نفسه! أي إن الشركة تبدو كأنها تعمل ضد نفسها، لكن هذا يصح في ما يخص الشقّ الإنتاجي من عمل الشركة... أما الجناح التوزيعي فتعمل فيه الشركة لمصلحة الفيلم الذي تملك حق توزيعه أو عرضه على شاشاتها.
وربّ بقعة ضوء وسط الحرب الشعواء بين حيتان الإنتاج. فالصراع دليل على انتعاش الاستثمار في السينما المصرية التي تشهد يومياً دخول منافسين جدد وكيانات تزداد ضخامة، ما يستدعي تحالفات كبرى بين منتجين وموزعين لمواجهة الكيانات الجديدة التي تنفق ببذخ. لكن تلك التحالفات، مهما توسعت، توجه السوق إلى احتكار حتمي، حتى لو انقسم الاحتكار إلى ثلاث جهات فائقة الضخامة، ما يقضي على آخر أمل بعودة «المنتجين الصغار» الذين يعملون خارج مظلة الكيانات الضخمة. وهذا النوع من المنتجين كان دائماً المتحمس للتجارب السينمائية النوعيّة كما حدث في الثمانينيات، حين تحمّل المنتجون الصغار عبء تقديم تجارب مخرجي الواقعية الجديدة في مواجهة طوفان أفلام المقاولات آنذاك.


مفاجآت ومفارقات

رغم الهجوم النقدي الذي تعرض له «ليلة البيبي دول» لعادل أديب، فوجئ الجميع بأنّه حقّق إيرادات هزيلة في شباك التذاكر، إذ لم يتخطّ حاجز المليوني جنيه إلا بصعوبة، رغم مرور شهر على بدء العرض: أي نسبة ضئيلة من كلفته التي تجاوزت 7.5 ملايين دولار. في المقابل، حقق «كباريه» نجاحاً تجارياً مثيراً أدهش النقاد الذين حيّوا مستواه الفنّي. والمفارقة أنه يحمل توقيع المخرج سامح عبد العزيز، والسيناريست أحمد عبد الله والمنتج أحمد السبكي، والثلاثي طالما عُدَّ من رموز السينما التجارية الهابطة. بينما يسير «الريس عمر حرب» لخالد يوسف نحو قمة الإيرادات