أحمد الزعترييمكن اعتبارwww.Gilgamesh.21 تجربة سريالية، تتجاوز مفاهيم السينما وحتى المسرح، يخوضها جلجامش (المخرج طارق هاشم) في كوبنهاغن المحاصرة بالثلج، وإنكيدو (الممثل المسرحي باسم الحجار) في بغداد المحاصرة بالموت، عبر الإنترنت، في محاكاة للأسطورة الأشورية. فكرة الفيلم (52 دقيقة) الذي عُرض أخيراً ضمن «المهرجان الرابع عشر للفيلم العربي الفرنسي» في مركز الحسين الثقافي في عمان، بدأت من محادثة على الماسنجر بين المخرج العراقي المقيم في الدنمارك طارق هاشم والممثل الشاب باسم الحجار الذي يعيش في بغداد. ومن خلال تلك المحادثات الافتراضية، قرر الرجلان أن يعيدا تمثيل ملحمة جلجامش.
يموت إنكيدو، فيبدأ جلجامش البحث عن عشبة الخلود مدفوعاً بحزنه على صديقه... لكن ما تهمله الأسطورة أنّ جلجامش هو مَن دفع إنكيدو للموت بذنب الثور المقدس الذي قتلاه معاً. وهذا ما يحاول طارق هاشم عمله هنا؛ يدفع باسم الحجار إلى أقصى درجات الانفعال عبر الإنترنت ليعيد تمثيل إنكيدو في اسكتشات لمشروع مسرحية عملا عليها سوياً، بينما يعيد طارق إحياء شخصية جلجامش من موقعه العالي والآمن في كوبنهاغن.
الموت، إذاً، هو ثيمة الفيلم وحظوة جلجامش ورمز مدينتين: بغداد اليومية بقتلاها، وكوبنهاغن النائمة في الثلج والغارقة في البرد... في الموت.
يتحول الحوار بين الاثنين إلى ما يشبه خطباً تقليدية عندما يسأل طارق صديقه في بغداد «أكثر من هذا الخراب، ماذا يريدون بعد؟» في سؤال تقريري. لكنّ طارق يريد من باسم أن يجيب، أن يضع البندقية في رأسه، أن يندفع باتجاه الأجوبة اليومية التي نسمعها يومياً في الأخبار. غير مبالٍ بهذه الحقيقة، يجيب باسم بخطابية تقليدية: «يريدون أجسادنا، تاريخنا، مقدساتنا».
هذه «اللعبة» التي يمارسها طارق بقسوة على باسم تنقلب عليه عبر اعترافات شخصية يتحدث فيها عن محاولة اغتصابه في طفولته. الرجلان هنا من مجايلي الحرب، تأثّرا بنتائجها المباشرة: الفقد اليومي والخوف والإحساس بالعدمية، ما يدفعهما لتعرية الذات، فباسم يدّعي أنه لا يتذكر طفولته. حتى الحب في بغداد يُعنّف، فعندما يسأل المقيم في كوبنهاغن عن الحب في بغداد، يجيب باسم «لا حب في بغداد.. بغداد مدينة كونكريتية». هل تستطيع الحرب أن تجرّد المشاعر بهذه الطريقة فعلاً؟ وهل تسير الحاجات والرغبات في خط طويل وقذر مطأطئة رأسها وراء الموت بهذا الشكل؟
وهل، فعلاً، يصبح مشروع مسرحي افتراضي، عبر الإنترنت، عملاً عبثياً يحاول عبره الطرفان من طرفي الأرض الخلاص من هذا الجحيم؟ ربما يجب اعتبار الفيلم الذي حصل على الجائزة الفضية في مهرجان «روتردام» عام 2007، عملاً عبثياً بجدارة، رغم كل التنظيرات والأسئلة التي تطرح فيه ولا تضيف شيئاً.