بعد سنوات على انتشار القرصنة الإلكترونية، هل حان الوقت لوقف انتهاك حقوق الملكية الفكرية؟ سؤال يتردد بقوة، مع كسب شركة «فياكوم» قضيتها ضدّ «غوغل» و«يوتيوب»، مدشنةً عهداً جديداً من عملية التدوال الافتراضي للمواد السمعيّة البصرية
محمد خير
الحكم الذي أصدره قاضٍ أميركي أخيراً على شركة «غوغل»، وألزمها بكشف وتسليم سجلات المشاهدة الخاصة بزوّار موقع «يوتيوب» إلى شركة «فياكوم» ـــــ وكانت الأخيرة قد رفعت دعواها بسبب بثّ «يوتيوب» لمقاطع من أفلام وبرامج تملكها «فياكوم»، من دون إذن منها ـــــ ليس أول إشكال يتعلّق بخصوصية مستخدمي الإنترنت، في عالم تحكم بعض بلدانه حكومات لا تعترف بالخصوصية. كما أن نشر مقاطع فيديو على الإنترنت لا يقتصر على «يوتيوب». أما الاحتجاجات المستمرّة من شركات الميديا على استخدام موادها من دون إذن منها، فهي ليست دائماً عالية الصوت. بعضها، يكون عبر شكاوى هادئة، فتختفي فجأة موادها من المواقع التي تعرضها. في المقابل، هناك شركات، تستخدم نشر مقاطع من موادها كدعاية مجانية، قد ترفع نسبة مشاهدة تلك القنوات، أو تجذب مشتركين جدد للشبكات المشفّرة، أو تصل بالدعاية إلى فئات بعيدة عن متناول القناة.
ما إن أخذت الإنترنت في الازدهار، وارتفعت نسبة المتعاملين معها وبها بصورة غيّرت وجه الحضارة الإنسانية، حتى احتدمت النزاعات ـــــ بصورة غير مسبوقة ـــــ على حقوق الملكية الفكرية. إذ إن التداول الافتراضي للمواد المعرفية قد سبق خيال الهيئات المكلّفة حماية حقوق النشر والطبع... فضلاً عن أن سهولة التداول والتحميل من على الشبكة، قد تؤدي إلى خسائر حقيقية لأصحاب حقوق التأليف، وذلك بعدما كانت هذه الخسائر محدودة سابقاً، إذ لطالما اقتصرت على طبعة غير شرعية من كتاب، أو نسخ مقلّدة من شرائط فيديو... أما اليوم، فيمكن تحميل آلاف النسخ، ما سبب لصناعة السينما في هوليوود مثلاً، خسائر وصلت إلى مليارات الدولارات سنوياً. ومثّلت تلك الخسائر أحد عناصر الأزمة بين منتجي هوليوود ونقابات المؤلفين الذين طالبوا بنسبة من حقوق النشر على الإنترنت، في وقت يشتكي فيه المنتجون أنفسهم من كون الإنترنت أيضاً سببت لهم ـــــ بسبب القرصنة ـــــ خسائر مخيفة.
عربياً، انعكست مشكلة التداول الافتراضي للمواد السمعية والبصرية على سوق الكاسيت. وفي وقت كان فيه رقم مليون نسخة لكاسيت، عادياً وممكناً منذ الثمانينيات، فإن سوق الكاسيت تواجه الآن كساداً مخيفاً. ويتنافس الكبار فيه على أرقام توزيع، لا تزيد على بضع عشرات من الآلاف، مع استثناءات قليلة. بل إن التقنيات الحديثة أتاحات لآلاف المستمعين، في دقائق، تحميل الألبوم، حتى قبل صدوره في الأسواق، من دون دفع مليم واحد للشركة المنتجة، ما أدى إلى إفلاس ثم إغلاق الشركات الصغيرة، واحتكار سوق الكاسيت من شركات معدودة تستطيع تحمّل الخسائر، وتبحث عن وسائل أخرى للربح بالاشتراك مع شركات الاتصالات. فكان أن سادت ثقافة رنّات الموبايل ونغماته، وانحسرت ثقافة الألبوم الغنائي لمصلحة «الفيديو الكليب».
ومع ذلك، فإن الصورة على المستوى العالمي أقل قتامة. إذ إن الشركات الكبرى تستطيع تحمّل فاتورة التقدم التكنولوجي، ويصعب التفرقة بين اثنين من أهداف تلك الشركات: إيقاف الخسائر أو تحقيق مكاسب إضافية... تُرى هل خاضت “فياكوم” ـــــ مالكة mtv و“باراماونت” و“دريم ووركس” ـــــ معركتها القضائية لأنها “تخسر”، أم لأنها تريد اقتسام كعكة أرباح “تلفزيون الإنترنت”؟ وهذا الأخير يرشحه الخبراء لاحتلال محل التلفزيون التقليدي خلال سنوات، بما يقدمه من مميزات التحكم في وقت المشاهدة، والأهم “فردانية” المشاهدة إن جاز التعبير. إذ إن عادة المشاهدة التي تتراكم من خلال تكرار زيارات المستخدم لعناوين معينة، تسهم في معرفة مقدم الخدمة لما يفضله المُشاهد. ومن ثم، يقترح عليه المواد القريبة لاهتماماته. ما يستحيل تقريباً على التلفزيون التقليدي تقديمه، إلا عبر استخدام وسائل مثيرة للشفقة قياساً على إمكانات الإنترنت، على شاكلة «اختر عرض فيلمك المفضل ليوم كذا»، من خلال رسائل SMS.
القضية التي كسبتها «فياكوم» ضد «غوغل» ربما كانت بداية النهاية لعصر التعاطف مع الإنترنت. وهو عصر أبدى تسامحاً كبيراً إزاء انتهاك العديد من الحقوق الملكية، بل وقواعد المهنية الإعلامية، في سبيل عدم عرقلة نمو شبكة المعلومات. لكن ذلك التسامح وذلك النمو، كان لا بدّ لكل منهما أن يصطدم في النهاية بمصالح المال والأرباح في عالم الميديا. فهذا العالم هو الأكثر تضرراً من التداول غير المقنَّن للمواد على الشبكة. علماً بأن الصناعات الأخرى لا تواجه هذه المشكلة: فيما يمكن قرصنة فيلم على الإنترنت، لا يمكن قرصنة قميص أو تحميل سيارة... لذا، فإن السنوات المقبلة، ستشهد المزيد من المواجهات القضائية استناداً إلى الحكم الأخير... ترى، هل بدأت الميديا تأكل نفسها؟


محمد منير يحارب القرصنة

على رغم تحقيقه أرقاماً جيدة في سوق الكاسيت، تأثرت مبيعات ألبوم «طعم البيوت»، أحدث أعمال الفنان المصري محمد منير، سلباً بوجود أغاني الألبوم متاحة على شبكة الإنترنت منذ مدة طويلة، وخصوصاً أن شركة «عالم الفن» كانت قد أجّلت طرح الألبوم في الأسواق أكثر من أربع مرات. وعمد الكثيرون من محبي «الملك» إلى تحميل أغاني الألبوم، قبل طرحه في الأسواق بفترة. في المقابل، جابه عدد من عشاق النجم الأسمر، تحميل الألبوم على الشبكة العنكبوتية، فأطلقوا دعوة إلى شراء الألبوم حتى لو كان المشتري قد استمع إلى الأغاني عبر شبكة المعلومات.