مسلسل «تنويري» يُعرض في رمضانمنار ديب
يبدو أن الدراما السورية قررت طرق أبواب جديدة، عبر تناول موضوع الشعوذة، وإن كانت هذه المحاولة تندرج في إطار مسلسلات التشويق والجريمة والغموض. وعادةً ما يحظى هذا النوع من الأعمال بمشاهدة كبيرة، وخصوصاً في الأوساط الشعبية. فهذه الأعمال الجماهيرية، حتى لو حملت شعارات تنويرية، إلا أن الهدف التجاري يكون أساساً في تكوين خطابها. من هنا، يأتي مسلسل «ليل ورجال» («زائر الليل» سابقاً) للكاتب محمد العاص والمخرج سمير حسين، إنتاج مؤسسة فراس إبراهيم، وبطولة فراس إبراهيم، وأسعد فضة، وصفاء سلطان، وباسم ياخور، ووفاء موصللي، وسمر سامي، وسعد مينة. وهو يمتّد لـ30 حلقة، بدأ تصويرها قبل مدّة، على أن تعرض في رمضان.
في زمن يتسم بالفوضى والعنف وارتفاع معدلات الكوارث الطبيعية والحروب والجرائم والأمراض، وتسجل مخاوف الناس وتوترهم أرقاماً مرتفعة، يأتي المسلسل ليتحدث عن تفشي ظاهرة لجوء الناس بشكل غير مسبوق إلى المشعوذين، لحلّ مشكلاتهم الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، وليبحث أيضاً في أسباب نشوء هذه الظاهرة وانتشارها.
ويكشف بأسلوب مشوّق، بعيداً من استفزاز مشاعر الناس، وباختلاف طوائفهم وأديانهم، الفرق بين رجال الدين الحقيقيين والمشعوذين الذين يستغلّون جهل الناس وفقرهم وحاجتهم وطمعهم وفضولهم ليوقعوا بضحاياهم. وقد وصل الأمر ببعض الفضائيات إلى تخصيص ساعات بث طويلة لهم، لتلقّي اتصالات الجمهور واستنزافه مالياً.
يعيشُ حسام في بيت فقير مع زوجته وابنته وأمه وأخيه وأخته المريضة عقلياً زينب، كما يعمل سائقاً عند المليونير “أبو أنس”. في أحد الأيام، تسمع الصحافية أميمة، زوجة أبو أنس، من الدكتور سمير (ابن عم زوجها) خبراً عن فتاة صغيرة في مستشفى الأمراض العقلية، أصابها الجنون في ظروف غامضة. يثير الخبر اهتمام أميمة، وتعزم بالاتفاق مع الدكتور سمير على كشف سر هذه الفتاة. في المقابل، نلتقي الدجّال “أبو شعبان” (يموت لاحقاً)، وتلميذه وزوج ابنته “أبو معروف”. ومن المحاور الأساسية في «ليل ورجال» شخصية “أبو بسام” (باسم ياخور) الرجل الثائر على حياته، يرى في أولاده عبئاً ثقيلاً عليه، ويرى أن زوجته الأكبر منه سناً، قد سرقت شبابه. لذا، يلهث لتحصيل ما فاته من ملذات الحياة.
تمر عشر سنوات، ويعود أنس (ابن أميمة) من إنكلترا شاباً، يسعى إلى كشف سرّ الفتاة بتحريض من الدكتور سمير، إضافة إلى سرّ والدته التي أصبحت مريضة نفسية. أما حسام فقد أصبح مهملاً لأسرته وأولاده. وهنا، تلجأ زوجته أمينة إلى “أبو معروف”، وتطلب منه أن يؤمّن لزوجها عملاً بعدما وصل وضعهم المادي إلى أسوأ حال. يبهر “أبو معروف” بجمالها فينصب لها فخاً ليحصل عليها. لكن حسام يكتشف أمر الخدعة التي حاكها “أبو معروف” لزوجته، فيعزمُ على كشفه للناس.
ثم يخرج إلينا “أبو معروف” بحلة جديدة. حلق ذقنه وارتدى لباساً عصرياً، ليعلن عن شجرة أعجوبة تنبت عند قبر عمّه “أبو شعبان”. وها هو “أبو معروف” يصول ويجول على شاشات الفضائيات، يعالج على الهواء الأشخاص المأخوذين بالشعوذة. بعدها، يوزّع “أبو معروف” شريط فيديو على الهواتف النقالة، ويثبت في عقول الناس الخرافات. والشريط كناية عن نشرة لرؤيا يزعم أنه رآها في نومه، توزع على مريديه ليوزعوها على الناس. ومَن يتقاعس عن توزيعها لعشرين شخصاً على الأقل، تصبه المصائب.
وسط كل ذلك، يأتي «زائر الليل» (إحدى الشخصيات المهمة غير المتوقعة في هذا العمل) إلى بيت “أبو معروف”، لأنه كما يبدو قد أصبح غير راضٍ عنه. وتقع المواجهة بينهما التي تكشف لنا كيف جرى تثبيت جنون أميمة. ويطالبه «زائر الليل» بمخطوط كان “أبو معروف” يحتفظ به. يمتثل هذا الأخير للطلب، لكن «زائر الليل» يطلق عليه النار، ليخرج تاركاً “أبو معروف” جثة هامدة.
هذه الألغاز والخيوط المتشابكة قد تؤمن التسلية للمشاهد، أكثر من تحقيق هدفها (التوعية). لكن مشاركة عدد من الممثلين الجيدين في العمل، قد تمنحنا فرصة مشاهدة أداء تمثيلي راق، حتى مع لا واقعية النص. فالواقع هو ليس الاستثنائي والهامشي، بل أشكال الشعوذات الدينية والسياسية والاقتصادية التي نتعامل معها كل يوم.


يا «دنيا» يا غرامي

بعدما أصبحت منبراً لرجال الدين، ها هي فضائية «الدنيا» السورية، تقتحم منطقة جديدة، وتتجاوز الغيبيات إلى الخوارق. أخيراً، بثّت حلقات من برنامج «حوار الدنيا» عن «معاني الأسماء والأبراج». واستضافت أم علاء التي تقرأ الطالع. وقد ذيّلت الشاشة بإعلان للمشاهدين للاتصال وتزويد «الباحثة» بأسمائهم وتواريخ ميلادهم، ليتعرّفوا إلى شخصياتهم ومصائرهم. ثم أطلت أم علاء ثانيةً مع Look أكثر عصرية، فاتحة الهواء للاتصالات... فهل تُراهن القناة على هذه البرامج لرفع نسبة مشاهدتها، وخصوصاً أن البرنامج الصباحي في التلفزيون الرسمي يستضيف منذ سنوات نجلاء قباني شخصياً؟ وهي اليوم «العرافة» الأشهر في سوريا، وتكاد تنافس ماغي وكارمن (فالمثال الإعلامي اللبناني، بأشكاله الأكثر سطحية، حاضرٌ دوماً في المخيّلة الإعلامية السورية)!


فراس إبراهيم