العمل على لوحة يشبه كثيراً عمليّة التجميل، ونتيجة العمل المضني، تأتي غالباً مغايرةً لما كنت أطمح إليه». هكذا تصف التشكيلية الشابة العمليّة الإبداعية. معرضها الحالي يتمحور حول التغيير والتحولات ونظرة الآخر، في لعبة مرايا متنقّلة
سناء الخوري
في معرضها «على الهامش» (2007)، رسمت تغريد درغوث دمى، يُشبهها الإنسان في الهشاشة والضعف والعجز على التفلّت من القيود الخارجيّة التي تسيّره. تيمة العجز تتشعب اليوم في معرضها «مرآتي، مرآتي» (Mirror, Mirror) في غاليري «أجيال»، عبر اختيار موضوع عمليّات التجميل الذي يطبع حياة الإنسان المعاصر المحتجز في صورته عن نفسه وفي نظرة الآخرين إليه. تقول الفنانة الشابة (1979) الحائزة «جائزة المدينة الجامعية العالمية ـــــ باريس» (2003): «رسم الوجوه التي خضعت لعمليّات التجميل ليس موقفاً أخلاقياً من هذه العمليات، بل لفت إلى القيود التي تفرضها الميديا على الإنسان المعاصر، من خلال إغراقه في معايير تسلبه مزاجه الخاص وتجعله أسير المرآة».
36 بورتريه (أكريليك على كانفاس) تتكرّر فيها الوجوه وتختفي بعض تفاصيلها خلف الضمّادات البيضاء، في فكرة غير مألوفة تعطي اللوحات قيمة إبداعيّة عالية. رسم الجسد والوجه البشري بعظمته وترهله، يضع الأعمال المعروضة بين المدرستين الـ«ما فوق الواقعيّة» (Super-realism)والتعبيريّة الجديدة، حيث تجسيد تعابير الوجه يطغى على أي معيار تشكيلي آخر.
تراوح أحجام اللوحات بين الصّغيرة (20x30) والكبيرة (150x200)، تتركّز على تفاصيل في جسد الإنسان من الأنف إلى العين، والبطن المترهّل أو الثديين المضخّمين.
سلسلة اللوحات التي أعطت اسمها للمعرض عبارة عن مجموعة وجوه (25x30) خضعت لعمليّات تجميل كأنّها مرايا. يتّسع المنظار في لوحات أخرى كما في «حظّاً سعيداً»، حيث ظهر الجزء الأوسط من جسد امرأة تستعدّ لمبضع الجرّاح. وضعت تغريد على اللوحة تعليمات «تجميلية» يجب اتّباعها لنحت الجسد الضّخم والمترهّل. التركيز على العين أو الفم أو الصّدر الضّخم والمزيّف، تأويل للصورة الحقيقية على رغم مباشرته، فهو لا يندرج ضمن نقل حرفي للّحظة بل ضمن انتقائيّة معبّرة للون.
في «إغراء» (75x100)، نرى فماً أحمر كبيراً يكاد يخرج من القماش في انتقاء تشكيلي للمضخّم، وتركيز كاريكاتوري غير مباشر على اللون والحجم... ما يضاعف نفوره. رصد الزاوية التي انتقتها الفنانة وجهاً لوجه مع اللوحة، فرادة الأسلوب والموسيقى اللونيّة التي يتناغم فيها لون البشرة مع الخلفيّة، تعطي اللوحات بعداً تشكيليّاً يبلغ ذروته في أبعاد اللوحات التي تشبه شاشة السينما أو المرآة. في «مريم» التي تظهر فيها العين واضحةً، تبدو مريم كأنّها تحدّق في المرآة... أو تحدّق في عين الناظر إليها، متسائلة عن قيمة الجمال ومحاولة الهروب من الشيخوخة والترهّل. هذه الهشاشة وقلّة الثقة بالنفس التي تبديها النظرة، تعرّيها الفنّانة عبر إظهار الجسد بكلّ عيوبه وتسليط الضوء على تغيّر المعايير الجماليّة التي أصبحت القاعدة في تحديد العلاقات وتقييم الآخر.
جدّة الطرح تترافق مع ما حاول جيل من التشكيليين اللبنانيين الشباب أن يطبع به تجربته ولمسته، مثل أيمن البعلبكي الذي درس مع تغريد فنّ المساحة الثلاثي الأبعاد في باريس. تقول تغريد التي عملت على مشروعها أكثر من سنة، إنّها تفضّل تناول موضوع اجتماعي. الإصرار على الانطلاق من واقع المجتمع اللبناني الذي تجتاح إليه الأفكار المسبقة والرغبة في الشباب الدّائم، يأخذ في هذا المعرض، بعداً دراميًّا لا يخلو من النقد من خلال التركيز على تفاصيل الألم النّاتج من العمل الجراحي والألوان.
نستشف من هذا الأسلوب فنانة واثقة، في حالة تجريب وبحث. فالمسألة ليست في تحديد المعايير والأحكام، بل في جرأتها على فضح محاولات التستر والتجميل. المقاييس هنا ليست مقاييس الجمال بل مقاييس جديدة تضعها الفنّانة. مقاييس لا تخضع للمقارنة بين البشع والجميل، بين المرغوب والمرفوض من المجتمع، بل تقابل بين العفويّة والتصنّع... بين الحرّ والمضمّد/ المقيّد.


■ حتى 31 تموز (يوليو) الحالي ـــ غاليري «أجيال»، الحمرا ـــ للاستعلام: 01/345213
www.agialart.com