بيار أبي صعب اللحظة بحد ذاتها استثنائيّة، زاخرة بالانفعالات والمشاعر المتضاربة، مفعمة بالدموع وصيحات الفرح. لحظة استثنائيّة، لا يعيشها المرء كل يوم. أن تتفرّج على عودة الأبطال تظلّلهم أعلام لبنانيّة وفلسطينيّة متعانقة ــــ كما كانت متعانقة يوم ركب كلّ هؤلاء قواربهم وأبحروا إلى (حلمهم بـ) فلسطين. لحظة تاريخيّة أن تتابع من على الشاشة الصغيرة عودة دلال المغربي ورفاقها في موكب واحد مع شهداء المقاومة في تموز ٢٠٠٦. أن تحتفل بعودة سمير ورفاقه... أن تنتبه فجأة (إذا كان قد فاتك الأمر حتّى الآن) إلى أن في العالم العربي قوّة شعبيّة حقيقيّة قادرة على انتزاع الحق من الكيان السبارطي الغاصب والمتغطرس.
لكن تلك اللحظة تبدو أقوى، وذات مذاق خاص، حين تعيشها من خلال تلفزيون لبناني معيّن: «المستقبل». الشاشة الزرقاء التي كتب في أسفلها «عودة الأسرى: الطريق إلى السيادة»، كم بدت تشبه نفسها، تشبه نظرتنا إليها، في ذلك اليوم التاريخي.
«جايي مع الشعب المسكين/ جايي تَ أعرف أرضي لمين/ لمين عم بيموتوا ولادي، وأهل بلادي الجوعانين». تصوّروا قليلاً ردّ فعل زياد الرحباني لدى سماعه هذا النشيد من على «الفيوتشر». تعيد الفضائيّة اللبنانيّة بث حلقة «خليك بالبيت» التي خصصها زاهي وهبي للشهيدة دلال المغربي. أمّها تروي لنا كيف كان الوداع على الباب، ثم كيف سمعت العائلة خبر العمليّة الفدائيّة على التلفزيون («كان في وقتها تلفزيون لبنان» قالت أم محمد).
استوديو «المستقبل» يبدو معقل الاحتفال، ومراسلو المحطّة في الناقورة ومطار بيروت، يعيشون الانفعال مضاعفاً. المفردات أليفة، القاموس والمصطلحات والمشاغل التي من الطبيعي أن تطالعنا من على هذا المنبر الإعلامي. كلمات «فلسطين»، «أسرى»، «احتلال إسرائيلي»، «شهداء»... لها هنا وقعها الخاص. الضيوف ــــ بينهم صقر أبو فخر ــــ يتكلّمون بصوت وطني وقومي، علماني، مطلبي، إنساني... جامع، ليعلّقوا على الحدث، يحلّلوا خلفياته وأبعاده، ويستشرفوا ما بعده.
الشاشة الزرقاء كان لها أمس نصيبها من الفرحة الوطنيّة، كما كانت وما تزال لها الحصّة الكبرى من الهموم الوطنيّة والقضايا القوميّة. لقد انكسرت شرنقة «طريق الجديدة»، وإذا بـ«المستقبل» تطلّ على الأمّة جمعاء... تلك الأمّة الغالية على قلب رفيق الحريري.