ما زالت قضيّة تغييب بعض الشعراء العرب عن المهرجان الشعري الفرنسي، تتفاعل في لوديف وفي العالم العربي. أسئلة وهمس في الكواليس، وعريضة تضامن وقّعها شعراء من إسرائيل... ولكن أين الشعر؟
لوديف ـــ حسين بن حمزة
بدأت فعاليات الدورة الـ11 من «مهرجان أصوات المتوسط» في لوديف، وسط تساؤلات عن غياب خمسة شعراء عرب (راجع «الأخبار» عدد أمس). بدأت المشكلة بغياب نصر جميل شعث الذي رفضت السفارة الفرنسية في «إسرائيل» منحه تأشيرة دخول إلى فرنسا. اعتقد الجميع أن ما حدث حالة فردية، ليتبيّن أنّ أربعة شعراء آخرين أضيفوا الى شعث: راسم المدهون (فلسطين)، نصيرة محمدي (الجزائر)، صالح رضا قادر بوه، سالم العقالي (ليبيا). علماً بأنّ الأردني حكمت النوايسة وصل أمس إلى المهرجان بعد تأخّره في تقديم الفيزا.
الأحاديث في أروقة المهرجان تدور حول عراقيل قد يكون وضعها بعض السفارات الفرنسية أمام عملية منح التأشيرات، فيما رفض بعضها الآخر جهاراً منحها. والمفارقة أن فكرة المهرجان تتطابق مع فكرة «الاتحاد من أجل المتوسط» التي دعا إليها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. وكان أولى بالمهرجان الذي شرّع أبوابه منذ عقد لأصوات المتوسّط أن ينال الدعم، ليكون أحد تجليات تلك السياسة الفرنسية. لكن يبدو أنّ هناك ازدواجيّة بين السياسة الرسميّة المطروحة في الإعلام حول الاتحاد المتوسطي، وسياسة الظل التمييزية التي تطبقها فرنسا مع بعض دول الجانب العربي من المتوسط.
المؤكّد أن هناك تسهيلات قدمت إلى السوريين واللبنانيين، بالتناغم مع اللقاءات السياسية التي عُقدت بين ساركوزي والرئيسين السوري واللبناني. بينما واجه الضيوف الفلسطينيون مصاعب تعجيزيّة مثلاً. وربط بعضهم هنا في الكواليس، بين عدم منح التأشيرة للشاعرين الليبيين وغياب الرئيس معمر القذافي عن الاتحاد المتوسطي!
لكنّ الشعراء الذين وصلوا، عانى بعضهم عراقيل كثيرة قبل أن يحصلوا على تأشيرة دخول. هذا ما حدث لكريم عبد السلام (مصر) الذي طالبته السفارة بتقديم كشف مصرفي، رغم أن الدعوة تتضمّن تحمّل الجهة الداعية نفقات الإقامة والسفر. عبد السلام قال لـ «الأخبار» إنّه طلب منهم أن يعاملوه كشاعر لا كسائح. وأبلغهم بأنّه لن يشارك إلا إذا اتصلوا به وغيّروا معاملتهم. وهذا ما كان، فحصل على التأشيرة متأخراً. أما العُماني محمد الحارثي. ففوجئ بوجود تأشيرتين على جوازه لدى سحبه من السفارة الفرنسية في مسقط، واحدة منهما مختومة بعبارة «ملغاة»!
العراقيل التي واجهها عدد من المشاركين العرب دفعت إدارة المهرجان إلى إجراء اتصالات بالسفارات الفرنسية لتأمين وصول الشعراء إلى المهرجان. حتى إن مديرة المهرجان فكرت في الاتصال بقصر الإليزيه. فهل باتت دعوة شاعر إلى مهرجان ثقافي فرنسي، تحتاج تدخّلاً مباشراً من القصر الرئاسي؟
كل ذلك جعل بعضهم هنا يعيد النظر بمستقبل المهرجان الذي خسر بعض الصدقيّة لدى عدد من الشعراء المشاركين. وهو اليوم يواجه تغيّر السياسة الفرنسية العليا وثمة خشية من أن يؤثّر تكرار هذه الحوادث على سمعته كأحد أنجح مهرجانات الشعر في العالم.
ماييته فاليس بليد، مديرة اللقاء، اعترفت لـ «الأخبار» بأنّ هذا العام شهد صعوبات لجهة دخول الشعراء من بعض دول المتوسط، العربية تحديداً. لكنها أكّدت أنّ المهرجان لا يميّز بين الشعراء العرب وغير العرب، مشيرة إلى المبالغة في التعامل مع غياب بعضهم عن اللقاء. ورأت أن تأخر بعضهم في تقديم الأوراق المطلوبة هو السبب. وتذكّر بعض الألسن الخبيثة أن من حقّ دوائر الهجرة الفرنسيّة أن تأخذ احتياطاتها، فكثير من المثقفين العرب اليوم يحلمون باللجوء السياسي إلى فرنسا، هرباً من أنظمتهم التعسّفيّة... وقد حصل ذلك فعلاً في لوديف قبل سنوات. ولمَ لا؟ ألم تكن فرنسا ـ عبر تاريخها الحديث ـ ملجأً للمثقفين المضطهدين؟ لكن ليس في عهد ساكوزي يجيب العارفون! تجدر الإشارة إلى العريضة التي وقّعها 124 شاعراً ومثقفاً، بينهم إسرائيليّون، احتجاجاً على المعاملة التي لاقاها بعض الشعراء العرب. للاطلاع عليها: www.septdormants.com