تروّج لقيم الصحراء وعاداتها، وتوفّر إطاراً مناسباً للرقص والغناء والفروسية. المسلسلات البدوية تعود بقوّة هذا الموسم، بدعم من رؤوس الأموال الخليجية، وبمشاركة أبرز الفنانين العرب: من «فنجان الدم» إلى «الأمير الثائر» و«صراع على الرمال»
منار ديب
مَن يتابع الدراما العربية هذه الأيام يلحظ اهتماماً كبيراً بالمسلسلات البدوية التي ستحتل هامشاً أساسياً في رمضان. غير أن هذه الظاهرة ليست جديدة، بل بدأت في السبعينيات. ذلك أن الدراما البدوية العربية ولدت على أيدي السوريين، من خلال أعمال كـ«وضحى ابن عجلان» (1974) لغسان جبري، بطولة الراحلة سلوى سعيد والمصري يوسف شعبان. وهناك أيضاً «راس غليص» (1975) لعلاء الدين كوكش، وقد صوّر في صحراء دبي، و«ساري» (1977) لكوكش أيضاً، وهو من إنتاج تلفزيون «دبي». «وضحى ابن عجلان» و«راس غليص» أعيد إنتاجهما أردنياً أخيراً. ويجري تصوير جزء ثانٍ من «راس غليص»، من تأليف مصطفى صالح وإخراج شعلان الدباس، وبطولة السوري رشيد عساف، نجم الجزء الأول.
قبل التلفزيون تطرقت السينما السورية، الخاصة تحديداً، إلى الموضوع البدوي، من خلال أفلام كـ «لقاء في تدمر» (1965) للثنائي دريد لحام ونهاد قلعي، من إخراج اللبناني يوسف معلوف.
الشخصيات البدوية ستكون حاضرة في «غرام في إسطنبول» (1967) مع خلْطٍ سيستمر طويلاً بين البدو والغجر (النَوَر)، وخصوصاً أن البيئة البدوية تثير استيهامات خيالية لدى من يجهلونها، وهي توفر إطاراً مناسباً للرقص والغناء والفروسية. من هنا، قُدِّم «الراعية الحسناء» (1972) من بطولة المصرية ناهد شريف، وصولاً إلى «فاتنة الصحراء» (1974) للبناني محمد سلمان الذي سيقدم سلسلة أفلام سورية الإنتاج (مثل «عنتر فارس الصحراء» و«عروس من دمشق»...)، وبمشاركة فنانين وفنيين سوريين، وهي من بطولة الثنائي الأشهر سميرة توفيق ومحمود سعيد.
لن يعود السوريون إلى الانغماس في الأعمال البدوية فيما سيتلقّف الأردنيون هذا الموضوع الذي يتلاءم مع البيئة الأردنية، وسيسيطرون طوال عقد الثمانينيات على الدراما البدوية التي لن تعدم مشاركات سورية. هذه المسلسلات التي حظيت حينها بشعبية كبيرة في دول الخليج، تمَّ التعامل معها محلياً كدراما من الدرجة الثانية.
الدراما السورية التي استبدلت العمل البدوي بالفانتازي منذ أواخر الثمانينيات مع «غضب الصحراء» لهيثم حقي، و«البركان» لمحمد عزيزية، و«الجوارح» لنجدت أنزور... ستقدم عملاً ذا خصوصية يقع بين التاريخي والمتخيَّل، ويدور في بيئة بدوية جاهلية هو «الزير سالم» لحاتم علي وممدوح عدوان.
الدراما الأردنية سعت أخيراً إلى اجتراح نوع درامي جديد هو البدوي التاريخي، فقدمت «نمر بن عدوان» الذي يعرض لحياة شخصية تاريخية وإن كان بقدر كافٍ من الخيال. فيما يجري تصوير مسلسل «عودة أبو تايه» الذي يتناول حياة الفارس الذي أدّى دوراً محورياً في الثورة العربية الكبرى. «نمر بن عدوان» الذي حظي بمشاهدة واسعة تميز بمقترحات إخراجية وبصرية لافتة لم تعهدها الأعمال البدوية. وهو الأمر الذي سنراه في مسلسل سعودي عن الشاعر النجدي «محسن الهزاني»، (إخراج محمد العنزي). أما المسلسل الكويتي «أسد الجزيرة» لباسل الخطيب، عن الشيخ مبارك الصباح، فقد أوقف عرضه خوفاً من إثارة الحساسيات القبلية.
العمل البدوي التاريخي أردنياً انطلق من اعتبارات صناعة تاريخ لمنطقة غلب عليها الطابع البدوي الريفي، فيما كانت البنية المدنية حديثة التكوّن، ويتواشج ذلك مع السعي إلى تكوين هوية وطنية مستقلة. أما خليجياً، فقد جرى اللجوء إلى السوريين للترويج لقيم بدوية غالباً ما نُظر إليها بدونية، فالغزو مثلاً يتحول إلى فروسية بدلاً من أن يوصف بشكل دقيق على أنه لصوصية وقطع طريق. وهكذا يصبح البدوي هو الجميل كما أن Black Is Beautiful، بل إن أحد المتحدثين باسم شركة إنتاج أردنية ردَّ على غسان مسعود في معرض وصفه للأعمال البدوية الأردنية بأنها مسلسلات «نوَر» لا بدو، بالقول إن منتقدي هذه الأعمال هم محدثو بداوة، (كما نقول محدثي نعمة). ومسعود يشارك هذا الموسم في مسلسل «فنجان الدم». ومن بين الأعمال الجديدة أيضاً، «صراع على الرمال»، إخراج حاتم علي، وأشعار الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، سيناريو هاني السعدي. ويشارك فيه عدد كبير من النجوم كـ «تيم حسن وعبد المنعم عمايري ومنى واصف». وإن كان لا يتطرق لشخصيات تاريخية، إلا أنه يدّعي التوثيق التاريخي، فأحداثه تدور في القرن الثامن عشر في الجزيرة العربية، وتظهر مشاهده نزوعاً نحو الجمالية البصرية ومتعة العين إلى حد الإبهار. عمل آخر هو «الأمير الثائر» عن قصة الشيخ سلطان القاسمي حاكم الشارقة، سيناريو قمر الزمان علوش وإخراج رامي حنا، بميزانية تتفوّق على ميزانية «صراع على الرمال» (الأول 6 مليون دولار والثاني 11 مليون دولار) الذي يقدم ملحمة الأمير مهنا في التصدي للغزو البحري الأوروبي في القرن الثامن عشر، ولم يبدأ تصويره بعد.


الغجر والشركس و«فنجان الدمّ»

تجري أحداث المسلسل البدوي التاريخي الجديد «فنجان الدم»، تأليف عدنان عودة وإخراج الليث حجو، في القرن التاسع عشر بين بلاد الشام والجزيرة العربية، وهو من إنتاج شركة «سامة» السورية.
بقي نصه حبيس الأدراج لسنوات، قبل أن تتشجع الشركة لإنتاجه مع رواج هذا النوع من الأعمال. وهو من بطولة جمال سليمان وقصي خولي ونسرين طافش وباسم ياخور وبيار داغر وغسان مسعود وميساء مغربي. قد يصل العمل إلى ثلاثة أجزاء، ويقحم شعوباً كالشركس والأكراد والغجر والإنكليز. واسم المسلسل يأتي من عادة بدوية بشرب فنجان من القهوة المرة على نية قتل أحدهم!