ابنة المهاجر البربري الجزائري التي كبرت في أحد غيتوهات الضواحي الشعبية قرب مدينة ليون الفرنسيّة، انخرطت مبكراً في الحركة النضاليّة دفاعاً عن حقوق جيلها: الجيل الثاني من أبناء المهاجرين العرب إلى فرنسا الذي تربّى على أحلام المساواة والتغيير في الثمانينيات، قبل أن تأتي خيبات التسعينيات لتحوّل أحياء المهاجرين مرتعاً للتطرف والأصولية
عثمان تزغارت

إنها الأكثر شعبية بين «وزراء الانفتاح» في الحكومة الفرنسية الحالية. المرأة الشابة المتحدّرة من الجيل الثاني للمهاجرين العرب إلى فرنسا، تشكّل نموذجاً لـ«النجاح» والاندماج. انخرطت في السياسة مبكراً، إلى جانب اليسار، وتصدّت للضغوط المتزايدة على المرأة في غيتوهات المهاجرين الفقيرة المهمّشة، الرازحة تحت وطأة التطرّف الديني، وختان البنات، والزواج القسري، مروراً بالحجاب ومنع الاختلاط... قبل سنوات، أطلقت فضيلة عمارة مع حفنة من رفيقاتها، مسيرة تاريخية من مدينة مارسيليا الجنوبيّة إلى العاصمة باريس (661 كلم)، انتهت باعتصام أمام البرلمان الفرنسي لتقديم عريضة تطالب بضمان حقوق المواطنة لنساء الضواحي. ومن ذلك التحرّك ولدت جمعية «لا عاهرات ولا خاضعات» Ni putes ni soumises التي سرعان ما تجاوز صداها حدود فرنسا، إذ فُتحت فروع لها أو جمعيات مماثلة في 27 دولة.
هكذا تعرّفت فضيلة عمارة إلى نيكولا ساركوزي. كان وزيراً للداخلية: «ساركوزي هو الذي طلب الاجتماع بنا للتعرف إلى أوضاع النساء في أحياء الضواحي. وأذكرُ أنني في أول لقاء في الوزارة لم أقابل ساركوزي شخصياً، بل طُلب مني الاجتماع بمستشارته رشيدة داتي (زميلتها حالياً في الحكومة). كنت قد تحرّيت بخصوصها، وعلمتُ أنها مكلّفة رسمياً بقضايا الانحراف والإجرام. فقلت لها من دون مواربة، في بداية المقابلة، أريد أن تبلّغي الوزير ساركوزي بأننا لسنا مجرمات، ولا نفهم لماذا أُوكل بلقائنا إلى مستشارته لقضايا الانحراف!».
أُعجب ساركوزي بشخصية فضيلة عمارة وطباعها النارية، فأسند إليها حقيبة وزيرة شؤون المدينة، في أول حكومة شكّلها بعد وصوله إلى قصر الإليزيه. وما زالت حتى اليوم الوزيرة المسؤولة عن الضواحي التي طالما ناضلت من أجل تحسين أوضاعها: «لم أكن أتصوّر يوماً أن أكون مع ساركوزي في فريق حكومي واحد. فأنا يسارية ومنخرطة في الحزب الاشتراكي، منذ سن السادسة عشرة. وقد عارضت صراحة سياساته اليمينية، منذ أن كان في وزارة الداخلية. لكن ذلك لم يمنع نشوء علاقة احترام متبادلة بيننا، وخصوصاً أنه على مدى السنوات الأربع التي قضاها في وزارة الداخلية، قدّم كل الدعم لنا في جمعية «لا عاهرات ولا خاضعات». وقد أعجبتُ بشجاعته السياسيّة في قضيّة رانيا الباز، الصحافية السعودية التي اعتدى عليها زوجها. كان موقف رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية آنذاك ملتبساً وزئبقياً، بسبب الاعتبارات الدبلوماسية ولعبة المصالح الاقتصادية مع السعوديّة. ورفضت السلطات الفرنسيّة (في عهد الرئيس شيراك) تقديم أي دعم رسمي لجمعيّتنا، وكنا نسعى آنذاك إلى استقدام الباز إلى فرنسا لتتلقى العلاج وتتحدث بحرية عن قضيتها. لكن ساركوزي، خالف الجميع، ومنحها «فيزا» بلا تردد، ثم استقبلني برفقتها في مكتبه في وزارة الداخلية...».
تقول إنّها لم تتخلّ عن القيم التي نشأت عليها، وإن انتقلت إلى أحضان حكومة يمينيّة في عهد سياسي لا يرحم «الناس اللي تحت». لم تتوقّع ذلك الاتصال الهاتفي من نيكولا ساركوزي، أياماً بعد فوزه بالرئاسة: «لم أُخفِ عليه دهشتي، وقلت من دون مواربة: هل تعلم أنني لم أقترع لكَ، بل صوّتتُ لسيغولين رويال؟ فقال إنه يعرف جيداً انتماءاتي اليسارية، ويحترم أفكاري، ولذا فكّر فيَّ لأكون ضمن كوكبة من «وزراء الانفتاح» مثل برنار كوشنير ومارتن هيرش. وأضاف أنني سأكون أيضاً ضمن مجموعة من الشخصيات التي تمثل «الأقليات» في حكومته، ومنها رشيدة داتي (وزيرة العدل) وراما ياد (وزيرة حقوق الإنسان)...».
ترددت فضيلة في قبول العرض، رغم البُعد الرمزي لمنح حقائب وزارية مهمّة إلى ثلاث شخصيات نسائية من أصول مهاجرة. لكن العامل الأهم الذي دفعها للقبول هو إعداد برنامج شامل لتنمية الضواحي وإخراجها من منطق «الغيتو». وقد قدّمت بالفعل في منتصف ك2 (يناير) الماضي خُطّة تنموية خاصة بالضواحي تمتدّ على خمس سنوات. تعرّضت طبعاً إلى الانتقادات من الوسط السياسي الذي تنتمي إليه، لكنّها تحظى اليوم بتأييد 68 في المئة من الفرنسيين، حسب آخر استطلاعات الرأي، لتحتل بذلك المرتبة الثالثة بين الشخصيات السياسية الأكثر شعبية في فرنسا، بعد برنار كوشنير (وزير الخارجية) ودومينيك شتروس ــــ كان (رئيس صندوق النقد الدولي).
فضيلة عمارة لم تفقد شيئاً من روحها المشاكسة بعد انضمامها إلى الحكومة. في مجلس الوزراء الذي قدّمت خلاله خطتها التنموية لأحياء الضواحي، فاجأت الجميع حين خاطبت الرئيس وزملاءها بلغة شبان الضواحي. وخلال جولاتها الميدانية في تلك الأحياء لا تتردّد في التحدث إلى الشبان المهاجرين باللغة العربية، ما جعلها عرضة لزوابع من الانتقادات في الأوساط اليمينية المحافظة للحزب الحاكم. لكن الرئيس ساركوزي جدّد ثقته بها، وخصوصاً بعد أن بيّنت الاستطلاعات استحسان الفرنسيين لأسلوبها المباشر في طرق الأمور الحساسة، من دون مواربة...
فلتمض إذاً في هذا الأسلوب: «علينا أن ننظر إلى فرنسا اليوم كما هي: بلد متعدّد الثقافات والأعراق. نعم، إنني أتحدّث بالعربية خلال بعض تنقلاتي الوزارية. بل أكثر من ذلك، أعترف بأنني أحلم باللغة البربرية! لكن ذلك لا ينتقص على الإطلاق من انتمائي الفرنسي».


5 تواريخ

1964
الولادة في مدينة كليرمون فيران الفرنسيّة، في عائلة من المهاجرين الجزائريين

2002
تأسيس جمعية «لا عاهرات ولا خاضعات» التي تولت رئاستها حتى دخولها الحكومة

2007
فاجأت الجميع بقبول حقيبة وزاريّة في حكومة ساركوزي اليمينية

2007
نعتت مشروع القانون الذي تقدّم به زميلها وزير الهجرة والهوية الوطنية بريس أورتفو (يقترح فرض فحوص جينيّة على طالبي الهجرة إلى فرنسا) بأنّه «مثير للغثيان»، فأثارت أزمة في صفوف الأكثريّة

2008
بعد ستة أشهر من دخولها الحكومة، أكّدت أنّها لن تقترع لمصلحة ساركوزي إذا ترشّح للرئاسة في عام 2012