بيار أبي صعبها هي الشاعرة تحمل كراكيبها الميتافيزيقيّة، وتعود إلينا. أوجاعها الشفيفة التي ترتقي إلى اللذّة أحياناً، تنْصبها شاشات متقاطعة بيننا وبين مشهد يتداعى ثم يتشكّل، في حركة لولبيّة متصاعدة، ومتسارعة... «الحذاء عند العتبة/ خلع خلف الباب خطوته/ نفض الغبار والثلج/ أوهامَ الطريق». ها نحن نلهث مجدّداً خلف تلك الصور الغريبة، المتوالدة من تداعيات ومشاهدات وتراكمات وتجارب باتت نسغ الرؤيا وأدواتها الطائشة. صارت لغة موازية، تعيد قول المشاعر والأحاسيس المكبوتة، الأفكار والمواقف، والأحلام المتصدّعة والذكريات المنحولة. «كل الطرقات تؤدي إلى صلاح سالم» هو عنوان الكتاب ـــ القصيدة الذي توقّعه الشاعرة هذا المساء في بيروت. إشارة إلى سنواتها القاهريّة ربّما، عبر الشارع الشهير الذي يحمل اسم أحد الضبّاط الأحرار؟
«لو أن الأيام بيننا/ لاعادتنا لعبة البكاء أطفالاً/ لصنعتُ للصغيرة رجل ثلج/ بلمسة من قسوتنا يذوب». من أين تأتي سوزان بكل هذا الحزن، الخوف، الخيبة، العزلة، الحنين إلى أعمار لم تعشها...؟ تسترق نظرة طفوليّة ـــ مسرفة في النضج ــــ إلى العالم، إلى العناصر والكائنات والمدن، في تواشجها وارتطامها. يتلاشى الواقع في القصيدة، لينبعث بسرياليّة فيها الكثير من الصوفيّة والتكثيف. تستعير من عبّاس بيضون ضميراً متصلاً هو الـ«نا»، ضمير المتكلّم للجماعة الذي يسبغ على القصيدة لمسة ملحميّة. «تقذفنا بحصاة قلبها»، كما لتبوح بأوجاع لا تقال، لتوصل رسائل مشفّرة موجّهة إلى محاورين وهميّين، متورطين في الآثام نفسها، والمغامرات الوجوديّة والأسئلة الأخلاقيّة نفسها. هؤلاء هم قرّاؤها وخلاّنها.

(للاستعلام: 03،201093)