في روايته الثالثة، يطرق ربيع علم الدين باب الأساطير الشعبية الشرقية، وقصص العهد القديم والآيات القرآنية، وأيضاً الأحاديث النبوية... وكل ما له أن يغوي القارئ الغربي ويُسحره!
زياد عبدالله
يمكن الاتكاء على عنوان رواية اللبناني ربيع علم الدين The Hakawati (بيكادور ــــ لندن) بوصفه مفتاح بنيتها وأسلوب سردها وعوالمها المتجاورة التي تستجيب للقصّ على طريقة «الحكواتي» وفتح أبواب المخيّلة على مصاريعها في محاكاة لـ«ألف ليلة وليلة» وكل ما له أن يقارب القارئ الغربي.
لا تخلو الرواية من جردة تاريخية لحوادث مفصلية في تاريخ المنطقة العربية: نكسة 1967، الحرب الأهلية اللبنانية... وهي تستعين على نحو لافت بالموروث الشعري العربي، وبشيء من الشرح التوضيحي لقارئ ربما لا يعرف أبا نواس، أو المتنبي... من دون أن يفوتنا الحضور الكبير للأسطورة العربية وقصص العهد القديم والآيات القرآنية والأحاديث النبوية.
لكن يبقى السؤال عن الكيفية التي قدّم بها علم الدين كل ذلك. وما هي الآليات التي احتكم إليها لإمرارها؟ الإجابة تكمن في «ألف ليلة وليلة» وقدرتها القصصية المتسلسلة والتوالدية. عمل علم الدين يحتوي على شيء من الحكايا المتجاورة، المتصلة والمنفصلة، المتشابهة في حوادثها والمتباعدة في أزمنتها، في محاولة لإيجاد معادل للديني والأسطوري في الواقعي، وخرق وهمي للمقدّس.
تبدأ الرواية مع ملك لديه 12 بنتاً من زوجته التي لا يطيق فراقها، ولا الزواج بغيرها، حتى وإن كان ذلك يتيح له التنعّم بولد ذكر يرث عرشه. هنا، تظهر جاريته فاطمة التي تملك الحلّ من خلال ساحرة في الإسكندرية تقول إنّها تحقّق المستحيل. هكذا، تأخذ فاطمة خصلة من شعر زوجة الملك وتتّجه نحو تلك الساحرة.
ينتقل السرد إلى أسامة الذي يكون عائداً من لوس أنجلس إلى بيروت لتمضية عيد الأضحى مع عائلته، فإذا بوالده في المستشفى. وبعد أن يستعيد بعض الذكريات، ويخبرنا بأنّه في طريقه لاصطحاب فاطمة معه، تعود الرواية إلى فاطمة جارية الملك التي تكون رحلتها متسلّحةً بكل عتاد شهرزاد. إذ تنجو من قطّاع الطرق بطرافة ودهاء على الطريقة «الشهرزادية». ومن ثم نشاهد فصول وقوع جواد ــــ الفتى الوحيد الباقي من قطّاع الطرق الذين قتل بعضهم البعض الآخر ــــ بحبال الفتى الذي يرافقها. هكذا، تمنحه فاطمة ثماني فرص لإغوائه، فيستنفدها حتى ينجح في آخر محاولة، مستعيناً بقصص غرائبية، وقصائد لأبي نواس والمتنبي.
تجاور ذلك قصة النبي إبراهيم مع زوجته سارة وجاريته هاجر، وإلى جانبها أيضاً ــــ كخطّ سردي رابع ــــ قصة جد أسامة «الحكواتي» الذي يكون مثل إسماعيل ابناً غير شرعي، لكن من طبيب إنكليزي ومن خادمته الأرمنية. نحن إذاً أمام أربع قصص تمشي جنباً إلى جنب، تتشابه ولا تتداخل. مع الجارية فاطمة، يكون الخيال على أشده، جنس ومردة وعفاريت وسحرة، وقطة اسمها كليوباترا، وامتزاج ذلك مع تعاليم إسلامية وآيات وأحاديث. قصة إبراهيم تأخذ بكل الموروث الديني والشعبي، ابن الجارية والسيدة. مع أسامة، نتعرّف إلى عائلته وعلاقته بأمه التي تطلب منه ألا يصدق جدّه الحكواتي، وتقول إنّها لن تقتله لو سألها الإله ذلك كما في قصة إبراهيم مع إسماعيل. كذلك نرى كيف هربت عائلته إلى الجبل لدى اشتداد الحرب الأهلية في بيروت. أما الجد، فنتعرف إلى مراحل حياته التي تشبه ابن النبي إبراهيم: كيف ولدته أمه، وما مارسته عليه زوجة والده الشرعية، وهربه من مجازر الأرمن، وكيف تحولت كنيته من «إسماعيل الحكواتي» إلى «إسماعيل الخرّاط».
تحتوي رواية «الحكواتي» على خلطة عجيبة من الأزمنة والأمكنة، ولا تسلِّم نفسها إلا لتدافع الحكايا وتتابعها، من دون منح فرصة لما قد يعوق تدفق مماثل لعناصر روائية أخرى. رهان رواية علم الدين الرئيس هو إيصال أكبر قدر ممكن من كنوز الشرق وسحره وإلى ما هناك من وصفات جاهزة إلى قارئ غربي، محاولاً الإضافة والتنويع عليها، واستحضار أكثر ما يمكن له أن يوسّع من مساحتها. وإن كان هناك خروج عن ذلك، فإنه في المساحة المتروكة للراوي أسامة.
أخيراً، يمكن وصف ربيع علم الدين (1959) بالروائي المتناثر في أمكنة عديدة. فهو ولد في الأردن من أبوين لبنانيين، وعاش في الكويت وبريطانيا والولايات المتحدة، واستقرت به الحال بين سان فرانسيسكو وبيروت. بدأ حياته المهنية مهندساً، وانتقل لاحقاً إلى الرسم والكتابة بالإنكليزية. و«الحكواتي» هي ثالث عمل روائي له بعد «كول إيدز: فن الحرب» (1998) و«أنا، الإله» (2001).