حسين بن حمزةمجموعة كريم عبد السلام «نائم في الجوراسيك بارك» (إصدار خاص)، تتضمن ثلاث قصائد فقط. القصيدة الأولى وعنوانها «ليل» هي الأطول (32 صفحة). نبدأ من هذه الملاحظة عن طول القصيدة كاختبار صعب يمكن أن تتعرض له أي قصيدة نثر تستثمر الحياة اليومية ومشاغلها العادية. القصيدة اليومية تكرست بفضل مجموعة عوامل، أهمّها قِصَرها. إنها قصيدة شديدة الهشاشة، بلا قواعد صلبة على صعيد البناء والانعطاف والاستطراد. تبدأ بسطور قليلة وتنغلق على نفسها سريعاً. إذا طالت، لا بدّ من أن تطول بمواصفات أقرانها القصيرات. أي ألا يتعارض طولها مع شعريتها. لكن هذا لا يتحقق بسهولة. عندما تطول القصيدة، يتزايد احتمال ضياع الشعر في الطريق.
الشاعر المصري كريم عبد السلام يورِّط قصيدته في هذا الاختبار. هناك شعر منجز بذكاء ولقطات تلمع في أكثر من موضع. لكن الذكاء واللمعان يفقدان الكثير من الكثافة والحضور، داخل قصيدة أُريد لها أن تطول. لنأخذ القصيدة الأولى مثالاً. يقرأ الشاعر قصائد لابنته النائمة، بينما يجري تصوير فيلم تحت البناية. نقرأ صوراً لافتة: «الكاميرات منصوبة/ وأناس بأزياء مختلفة يصرخون/ وكشافات تنير بقعاً كثيرة/ دون أن تصنع نهاراً». يقول الشاعر لابنته: «أنا صانع ألفاظٍ يا ابنتي.. وتنجرح يداي من شظايا الكلمات». في الخارج، يعيد المخرج مشهد فتاة تصدمها سيارة: «المخرج لا تعجبه ميتة الفتاة العابرة/ فيكرر تصوير المشهد عشر مرات/ وفي كل مرة/ تموت فتاة جديدة/ وتهرب سيارة بسرعتها من المشهد/ ويتفرج المتفرجون/ دون أن ينتبهوا إلى أن العمال في الخلفية/ ينقلون الجثة من عرض الشارع، ثم يضعونها في كيس بلاستيكي، وينظفون المكان، تمهيداً لإعادة المشهد».
قصيدة كهذه، قائمة على السرد العادي ونثريات الحياة اليومية، تسمح لأشياء كثيرة بالتسرب إليها. وهذا لا يعني أنّ هذه الأشياء تصبح ــــ بمجرد حضورها ــــ شعراً. حين يحدث هذا، نتوقّع أن نعثر على جمل عادية: «حتى في أحلامنا، هناك ما يبدو لنا، ولا يظهر على حقيقته». وعلى أفكار مباشرة: «احلمي بها يا ابنتي/ احلمي بزنازن تتحرك حوائطها/ وتغادر معنى السجن فيها/ احلمي بزهور تنمو على أصابعك/ وكلما أهديتك نبتت من جديد»... وعلى مواعظ شعرية: «من أجل أن تطيل عمرك/ ينبغي أن تنام، أو أن تجذب إليك الحياة المتدفقة/ من الآخرين».