«حجاز» خطوة أولى نحو التأليف الموسيقي لفنّان شاب هو الوجه الأبرز في كورس زياد الرحباني. يمزج باتريك ألفا بين الجاز والموسيقى الشرقيّة... لكنّ تجربته لم تكتمل تماماً لجهة النضج الفني والأسلوبي

بشير صفير
ينقسم الإنتاج الفني الموسيقي في الوطن العربي إلى فئتَيْن كبيرتَيْن، تمثّلان نموذجاً مشابهاً للصورة الفنية العالمية. الأولى تضمّ أغنية اللون الواحد التي تُغرق السوق وتحتل الجزء الأكبر من اهتمام وسائل الإعلام. بينما تشمل الثانية كل التجارب غير التجارية في مجال الأغنية أو الموسيقى الصامتة، ويكاد يكون اهتمام الإعلام بها معدوماً. وضمن الفئة الثانية، يندرج «حجاز»، ألبوم الفنان اللبناني باتريك ألفا، الذي يمثّل خطوة أولى لصاحبه خارج الدائرة التي نشط في إطارها حتى الآن، أي الغناء.
من لا يعرف باتريك ألفا؟ إنه الوجه الأبرز في كورس زياد الرحباني في السنوات الخمس الأخيرة، حيث تولى الأداء المنفرد لمعظم الأغنيات التي أداها سامي حوّاط (أو غيره) في التسجيل الأصلي، أو في الحفلات القديمة. إسهامه في هذا المجال لم يكن مهمةً سهلة. إذ رأى بعضهم أنّه لا تلاصُق بين شخصية صوته ونَفَس أغنيات زياد. ويعرفه محبو فيروز من خلال مشاركته في الكورس الذي رافقها في الحفلات الأخيرة أيضاً.
انطلاقاً من عنوان باكورته بكتابتيْه العربية واللاتينية («حجاز»/ Hi - Jazz )، يمكن الاستنتاج بأنّ باتريك ألفا سلك في تأليف الموسيقى اتجاه المزج بين الشرقي والجاز. ليس في الأمر ما يقلق. لكن في الواقع، لم يقتصر الخليط على هاتيْن المادتيْن الأساسيَّتيْن، بل أضاف إليهما هذا الفنّان ما أفسد جوّ بعض المقطوعات، ونقصد الـ New Age (والمتمثل بشكل خاص في الوتريّات المبرمجة والمركبة على الكومبيوتر)، وخصوصاً في «نرجس» و«تضلو بخير». كما حوى الألبوم مقطوعات تبدأ جميلة جداً، لكن يطرأ عليها عنصرٌ يفسدها، مثل في Her Waltz التي تنتقل من مزاج السوينغ إلى مزاج الموسيقى الحالمة؛ موسيقى المشاهد الرومنسية في سينما السبعينيات والثمانينيات، كما في «بتعنيلي» التي تعكِّر مزاجها اللاتيني وتريات دخيلة.
الموسيقى إذاً خليط عضوي وإلكتروني. العنصر الأوّل يتمثل في آلات شرقية عزفتها نخبة من الموسيقيين اللبنانيين (إيمان حمصي/ قانون، أندريه مْسَنّ/ بزق، أندريه الحاج/ عود، روني برّاك/ إيقاعات)، وغربية ذات استعمال جازي (نضال أبو سمرا/ ساكسوفونات، ربيع أبي راشد/ ترومبيت...). أما العنصر الثاني فمزعج في بعض الأحيان، وغير نافر في أحيان أخرى، عندما تكون الاستعانة بأصوات غير حقيقية حاجة مبرَّرة. وثمة ملاحظة أيضاً تطال أصعب شق في عملية التأليف الموسيقي: الختام. إذ إن النهايات مُربَكة بمعظمها، والسبب هو عند انتهاء الصوت المُبرمَج، هناك شعور بأنّه، على الآلات الحية، خروج من المقطوعة بالتي هي أحسن. لكنّ معظم المقطوعات تضمّ لحظات جميلة على مستوى الجملة اللحنية، والارتجال والفواصل التي تطالعنا هنا وهناك.
في «حجاز» أيضاً محطتان غنائيتان اجتماعيتان تذكران بما يقوم به منير الخولي منذ أواسط الثمانينيات: «خلص بقا» ــــ وهي بالمناسبة الأفضل موسيقياً في الألبوم ــــ تتناول مشكلة الكهرباء في لبنان (تشارك في أدائها زينة دكاش)، وتتخلّلها مداخلات كلامية من وحي المصطلحات اللبنانية الخاصة بكل حالة معيشية. أما المحطة الثانية «تضلو بخير»، فهي أغنية اجتماعية واقعية انهزامية جيدة (يشارك في أدائها حبيب باسيل وجوزف نصر).
«حجاز» خطوة باتريك ألفا الأولى نحو التأليف الموسيقي. بدت ناقصة بعض الشيء لكنها تبشر بأخرى أكثر اتزاناً، بما أن النية متوافرة.


من مدرسة زياد الرحباني

مثّل الفنان زياد الرحباني حالة فنية استثنائية منذ السبعينيات، شاركت فيها أسماء كثيرة، منها مَن كان ضيفاً عابراً ومنها مَن أصبح لاحقاً من أهل البيت. بعض هؤلاء خصّهم زياد بتجربة غنائية مستقلة، مثل الراحل جوزف صقر («بما إنو») وسلمى مصفي («مونودوز»)... أو شبه مستقلة أي بمشاركة أساسية مثل سامي حوّاط («شريط غير حدودي» و«أنا مش كافر»). أما بعضهم الآخر، فشق طريقه لاحقاً بشكل مستقلّ. في هذا السياق، نذكر سامي حوّاط الذي خاض التجربة الأغنى، وتانيا صالح التي صنعت أغنيتها الخاصة من خلال ألبومها الوحيد. اليوم ينضمّ باتريك ألفا إلى هذه الحالة من خلال الموسيقى الصامتة بشكل أساسي