بشير صفير تكرّس المغنية اللبنانية الأصيلة ريما خشيش مكانتها على الساحة الفنية المحلية والعربية، من خلال بحثها المستمر في مجال الأغنية الشرقية لاستعادة روائعها المعروفة وغير المعروفة. هذا ما بدأته ولم تكتفِ به. إذ أضافت عنصراً ضرورياً لكل تجربة فنية، ونقصد أغنيتها الخاصة الجديدة. خلقت ريما مع أصدقائها الهولنديين قوالب جديدة للأغنية القديمة في ألبومها الأول «قطار الشرق»، ثم تابعت بالاتجاه نفسه مشركة أسماء من لبنان في «يالللّي» الذي لاقى ترحيباً كبيراً من جيليْن مختلفَيّْ الثقافة (جمهور الأصالة الشرقية وجمهور الحداثة)... إذ حصل كلٌ منهما على ما يبحث عنه في فضاء النغم. تعيد ريما خشيش اليوم تجربة هذا الألبوم المتقن بكل تفاصيله (شكلاً ومضموناً)، وتقدّم جديداً بعنوان «فلك».
تستهل ريما «فلك» بموشح «حرَّم النومَ علينا وغفا» (كلمات فؤاد عبد المجيد وألحانه) الذي يمثّل أداؤها فيه، وكذلك التنفيذ الموسيقي والتوازن بين الأصالة والحداثة، قمة الألبوم وذروته الفنية (بخلاف محطة ثانية لعبد المجيد، «عشقت مها»). في الأغنية التي أعطت اسمها للألبوم، تغني ريما من كلمات عصام الحاج علي وألحانه، بمرافقة الغيتار. محطة جميلة بكل مكوناتها، يتخللها انحرافٌ للغيتار قبيل الختام، يخرجها عن جوّها الخاص لمصلحة أداء مستهلك في أغنية البوب الهادئة. وتغني ريما من كلمات الفنان ربيع مروّة وألحانه «حفلة ترَف» التي أحرز فيها الأخير تقدماً لافتاً لناحية تماسك النص واللحن نسبة إلى مساهماته السابقة في «يالللّي». من عند سيد درويش، تغني ريما خشيش «لحن الشيّالين»، في توليفة جميلة كان بإمكانها أن تكون أفضل بكثير لو دُعِمَت بقليل من الزخم المطلوب في هذه الأغنية.
في «فُتِنَ الذي» (كلمات نور ثابت / ألحان فؤاد عبد المجيد)، يمكن المقارنة بين مخارج الحروف واللفظ بين ريما المراهقة التي تتوقف عند كل حرف (تسجيل في البداية يعود إلى عام 1988)، وأداء ريما الحالي (يلي التسجيل القديم) الذي يكاد ينزلق عن بعض الأحرف (وهذه ملاحظة عامة غير نافرة وتحتاج إلى دقة متناهية). من ألحان عصام الحاج علي وكلمات علي مطر أغنية بعنوان «كلام الليل»، يشوبها ارتجال كلاسيكي (نسبة إلى محطات أخرى جميلة في الألبوم) لعازف الساكسوفون يوري هونينغ.
وفي «مُنيَتي عزّ اصطباري» (موشح لسيد درويش)، تجريبٌ لناحية الغناء المنفرد بمرافقة إيقاعية لا تتبع إيقاع الموشح عموماً. في الختام، أدرجت ريما من حفلة «مسرح مونو» (2006)، تسجيلاً حيّاً لموال «وَلَوْ» (لوديع الصافي، من كلمات أسعد السبعلي)، يرافقها عازف الكونترباص توم أوفرووتر. لحظات رائعة لكن نشتاق فيها إلى المناخ الضَيْعاويّ الذي لا يمكن فصله عن هذا الموّال الجميل.