محمد خيرأغرب ما في علاقة يوسف شاهين بعبد الناصر، أنّها امتدت إلى ما بعد وفاة الزعيم العربي، بأكثر ممّا امتدّت قبل وفاته! لا شيء بالمصادفة، واللقطات التي تثير دموع العرب في الجنازة المهيبة لجمال عبد الناصر، هي لقطات تنطق بحرفية على يوسف شاهين الذي صوّر الجنازة الشهيرة واستطاع أن يلتقط ــــ في غمار حزنه ــــ الوجوه الملتاعة ودفقات الهلع التلقائية التي فاض بها البسطاء وفاضت بهم.
بعد سنوات طويلة، يعترف شاهين في حديث صحافي بأنّه فشل في تحقيق حلم إنجاز فيلم عن «ناصر» لأنّه لم يجد «ممثلاً عنده كاريزما ناصر ولا حتى نظرة من عينيه... فين الممثل اللي عنده عيون عبد الناصر؟». لكن مَن قال إنّه لم يقدم هذا الفيلم فعلاً؟ من قال إنّ فيلم «الناصر صلاح الدين»(1963) لم يكن في جوهره فيلماً عن عبد الناصر، عن أفكاره وطموحاته وآماله؟ تحرير القدس ماضياً وحاضراً، مواجهة الإمبريالية (الصليبيين)، حلم توحيد الشعوب العربية. وهو بالتأكيد لم يكن حلم السلطان الأيوبي الذي جعله يوسف شاهين يتحدث العامية المصرية في الفيلم العروبي، على لسان أحمد مظهر الذي كان بدوره أحد رجال تنظيم الضباط الأحرار.
لكن سياسات ناصر الاجتماعية كانت سبباً في التضييق على عشق يوسف شاهين، السينما. فتأميم السينما عام 1962 أطاح دينامية السينما المصرية وتطوّرها الصناعي والتجاري، على رغم ما قدمه القطاع العام من أفلام هامة. هكذا وبعد سنتين من التأميم، وبعدما أفلست المنتجة آسيا داغر من جراء فيلم «الناصر صلاح الدين» الذي أنتجته بالاشتراك مع المؤسسة المصرية العامة للسينما، حمل شاهين كاميراته وذهب الى لبنان. 4 سنوات كان أبرز ما قدمه خلالها «بياع الخواتم» مع فيروز، يعود من جديد عام 1969 ويبدأ مشروع فيلم «الأرض» ويقدم فيلم «الناس والنيل» (1968). ويستعين فيه باللقطات التي صورها لضغطة الزر التاريخية التي حوّل بها عبد الناصر مجرى النيل، أثناء إنشاء السد العالي. ولكن لا يقدَّر للفيلم أن يعرض سوى بعد وفاة عبد الناصر بعامين.
عاد شاهين في أفلامه إلى ناصر مرتين بعد ذلك، في «العصفور» (1972) وتظاهرات رفض التنحي، ثم «عودة الابن الضال» (1976) حيث جنازة الأب الذي لم يعد الوطن بعده كما كان.