نوال العليصدر أخيراً العدد الخامس منها بحجم لم تألفه العين، إلاّ في الأدلة السياحية. تحمل عنواناً يشبه السؤال «من وإلى». وفي اختيار الشكل والعنوان، تمرّد على تجهّم المجلات الثقافية العربية الأحادية الاتجاه. وهي بهذا، تثبت الحاجة إلى سماع الآخر المماثل البعيد، وتمكينه من التواصل بأشباهه أو بمن يحتاجون إلى قراءته ورؤيته أيضاً. اللغة البصرية حاضرة، لا تقل شأناً عن المكتوبة: لوحات تشكيلية وصور فوتوغرافية وأعمال نحتية وتجهيزات لمبدعين شباب من العالم العربي، حاضرة بقوّة الحياة، تمنح الأعداد طابعها الحيوي بقدر ما تؤكد أنّ الثقافة البصرية أبعد من مساحة الأثر الجمالي التعبيري فقط.
مجلة «من وإلى» الشهرية التي يرأس تحريرها الشاعر الفلسطيني والزميل نجوان درويش، هي من بطولة الشباب العرب تحريراً وإبداعاً وإخراجاً، وشعارها «أصوات عربية جديدة». وفي أعدادها القليلة التي توزع بصعوبات مختلفة بحسب كل بلد، بين القدس وصنعاء وعمّان وبيروت والقاهرة، كشفت عن مواهب ليست معروفة في بلدانها، ما يدل على أن الجهد المبذول في البحث عنها ليس بسيطاً. لكنّ وجود مجلة لهؤلاء وحدهم، لم تقابل بكثير من الرضى، إذ اقترح بعضهم تطعيمها بأصوات محترفين كبار السن، ما رآه الشاعر زكريا محمد في مقالة له في العدد الثاني أنّه يشي «بانعدام الثقة في الروح الشابة وفي قدرتها على الإبداع».
العدد الذي لا يتجاوز فعلياً ستين صفحة قياساً إلى حجم المجلّة، يتّسع لأبواب مختلفة من نصوص شعرية، قصصية، وأخبار صحافية، بورتريهات، تجارب شبابية، مدن وأماكن، موسيقى، مسرح، تشكيل، ومواقع للثقافة أو للبحث عن وظائف أيضاً. أما الأسماء فبعضها نعرفه وبعضها نجهله: سحر مندور، طارق حمدان، زياد سحاب، جهاد بزي، الخير شوار، بسمة كراشة، محمد عثمان، رنا عوادة...
تراوحت مواضيع «من وإلى» (تدعمها مبادرة «نسيج للتنمية المجتمعية الشبابية» وجمعية «جيل فلسطين») بين الخفة والثقل. وهي وإن تفاوتت مستوياتها في الإبداع، لم تهبط عن الحد المعقول، ولم تغفل عن تمثيل كل ما هو ثائر ومكتنز بالطاقة والرغبة في تكسير منطق الحكي والسرد، والتحرر أحياناً من صرامة الفصحى إلى سلاسة العامية. كأنّها تريد أن تكون منفذاً للشباب العربي خارج الحصار النفسي الذي يعيش. يبدو أن كل شيء ممكن فيها، أليست شبابية؟