strong>ضاقت وسائل الإعلام الأميركية ذرعاً بـ«الحرّة»، بسبب «أخطائها المتزايدة، وفشلها في استقطاب المشاهدين». واليوم ترتفع أصوات نافذة مطالبةً الإدارة الأميركية بإقفال «المحطّة التي تبلغ ميزانيتها 112 مليون دولار و... لا يشاهدها أحد»! هل ستكون الضربة القاضية؟
صباح أيوب
قبل عام تقريباً، شنّت وسائل الإعلام الأميركية حملةً شعواء على قناة «الحرة». يومها، طالبت بعض الصحف مع منظمات إسرائيلية ونواب في الكونغرس، بمحاسبة القناة التي «لم تعد تنفّذ المهمة التي انطلقت من أجلها»، ناقلةً على الهواء خطابات الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وتصريحات «القاعدة»، واحتفالات «حماس»، وإعداد تقارير عن مؤتمر المحرقة الدولي الذي أقيم في طهران برعاية وزارة الخارجية الإيرانية... ولم يمض شهر واحد، حتى أتت الحملة ببعض الثمار. إذ استقال لاري ريجستير، مدير الأخبار في «الحرة»، ليخلفه دانيال ناصيف الذي وصفه فيليب جيرالدي، الضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه»، بـ«تلميذ المؤرخ البريطاني برنارد لويس... والمرتبط باللجنة الأميركية من أجل لبنان حرّ».
وبعد مضي سنة على عهد ناصيف، تجدّدت حملة الإعلام الأميركي أخيراً على القناة التي أنشئت قبل أربع سنوات لتكوين صورة مختلفة عن الولايات المتحدة لدى الرأي العام العربي، وتقديم إعلام «موضوعي» بعيداً من «تحيّز القنوات العربية التي تسيطر على ذهن المشاهدين في الشرق».
ومن يشاهد «الحرّة» حالياً، ويتابع نشرات أخبارها وبرامجها، ويراقب خيولها الجامحة بعد كل فاصل، لن يشعر باهتزازات الهجمة التي تبدو هذه المرّة أكثر شراسةً. بوادر الحملة انطلقت الأسبوع الماضي مع مقال هجومي نشر في صحيفة «واشنطن بوست»، ومع حلقة تلفزيونية من برنامج «60 دقيقة» عرضت على محطة «سي بي إس» الأميركية. أما العنوان الصريح والمعلن للحملة، فهو: إبراز فشل الفضائية التي تموّلها الإدارة الأميركية، في تحقيق أهداف ومبادئ الولايات المتحدة في العالم العربي، لا بل والعمل أحياناً عكس تلك المبادئ.
هكذا أفردت الـ«واشنطن بوست» 6 صفحات كاملة (يوم الاثنين 23 حزيران/ يونيو) تحت عنوان «المحطة الأميركية تفشل بمهمتها في الشرق الأوسط»، لتعداد أخطاء المحطة، والكشف عن بعض فضائحها الظاهرة والخفية التي حالت دون كسب «عقول وقلوب العرب». وأورد المقال بعض الأمثلة عن هفوات المذيعين على الهواء: معايدة الجمهور العربي المسلم بعيد الفصح، وبثّ برنامج عن الطبخ حين كانت كل شاشات العالم تغطي عمليّة اغتيال الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة «حماس»، وخلفياتها وتداعياتها...
وقد فصّل مقال الـ«واشنطن بوست» الأخطاء المهنية والإدارية التي ارتكبها جميع الذين تعاقبوا على إدارة المحطة منذ تأسيسها عام 2004 (موفق حرب، لاري ريجستر وأخيراً دانيال ناصيف). أما برنامج «60 دقيقة» (عرض مساء الأحد 22 حزيران/ يونيو)، فأتى في السياق نفسه مستخدماً أمثلة أخرى، ومكرراً خلال الحلقة عبارة «إن دافعي الضرائب الأميركيين يموّلون حالياً محطة تلفزيونية تبلغ ميزانيتها 112 مليون دولار و... لا يشاهدها أحد»! والتبرير الأبرز الذي ورد في المقال والحلقة التلفزيونية هو «تعارض خطّ المحطة مع السياسة الأميركية المعلنة»، فضلاً عن غيابها عن أحداث مهمة تخدم السياسة الأميركية في هذه المنطقة الساخنة من العالم. وفيما خرجت بعض الصحف المحلية للدفاع عن «الحرة»، يطرح الوسط الصحافي الأميركي اليوم أسئلة تتعلق بالهدف من تجدد الحملة على «الحرة»، والأجواء داخل المحطة ووضع الموظفين فيها. لا بل يذهب بعضهم أبعد من ذلك، سائلاً: هل سيتوقّف تمويل المحطة، فتقفل قريباً؟
في اتصال مع «الأخبار»، رفض القيّمون على «الحرّة» الإدلاء بأي ردّ على الهجوم الإعلامي الأخير، فيما اكتفى بعضهم بالتذكير بالبيان التوضيحي الذي أصدره مجلس أمناء البثّ الفدرالي «بي بي جي» (وهي الإدارة الفدرالية التي تراقب عمليات البث في القناة وتمويلها)، ردّاً على «الأخطاء الفادحة» التي وردت في برنامج «60 دقيقة». وكان بيان «بي بي جي» قد نفى أن تكون نسبة مشاهدة «الحرة» عربياً ضعيفة، مشيراً إلى أن المهنيّة تقتضي الإضاءة على الرأي والرأي الآخر!
لكن مصادر مقرّبة من المحطة تحاول الترويج لتفسير آخر، هو أن «مسؤولين في إدارة التلفزيون يتخوّفون حالياً من مؤامرة تقودها المملكة العربية السعودية ضدّهم، بسبب تعرّض الفضائية لقضايا حسّاسة كموضوع سجناء الرأي في السعودية، وأحوال حقوق الإنسان في العالم العربي والخليج». وأضافت تلك المصادر التي سرّبت الموقف لـ«الأخبار»، أنّ الموظفين داخل المحطّة «يخشون من أن تلحق تلك الحملة الأذى بهم وبوظائفهم»، نافيةً أي استقالات جماعية جديدة في صفوف طاقم القناة. وقد أكدت تلك المصادر التي رفضت ذكر اسمها أن هناك «أصابع سعودية وراء مقال «واشنطن بوست» وبرنامج «سي بي إس»، وأن الهدف هو تأليب الإدارة الأميركية على المحطّة، ودفعها إلى إغلاقها كي يخلو الفضاء لقناة «العربية» المموّلة من السعودية»! أما المقالات الداعمة لـ«الحرّة»، في بعض الصحف الأميركية، فلفتت إلى أنّ الأزمة المستجدّة «نتجت من تقاطع في السياسات الخارجية والداخلية للولايات المتحدة الأميركية، وبعض الدول العربية والقوى النافذة في المنطقة». كما تكرر الحديث إعلامياً عن «عدم رضى داخلي وخارجي على أداء المسؤول الحالي في المحطة دانيال ناصيف، وقد وجّهت إليه انتقادات تتعلق بقلّة المهنية وانعدام الخبرة الصحافية».
تجدر الإشارة إلى أن «الحرّة» لم تسلم منذ تأسيسها قبل 4 سنوات، من المطبّات والفخاخ السياسية والمهنية. ففي نظر كثير من المشاهدين العرب، تبقى «الحرّة» المحطة المروّجة للسياسة الأميركية المعادية لقضاياهم القوميّة، ما خفض نسبة مشاهدتها. هذا ما تظهره إحصاءات مختلفة، أوردت «واشنطن بوست» بعضها في المقالة المذكورة. هكذا تضاربت الانتقادات، والنتيجة واحدة: ليست أميركية بما فيه كفاية، بروباغندا باهظة التكلفة، معادية للعرب، تشكو من قلّة الخبرة والفوضى، منيت بفشل ذريع... «الحرّة» لم تنجح في «كسب العقول والقلوب العربية»، فهل تبقى الحصان الذي تراهن عليه الإدارة الأميركية في سباقها إلى المنطقة؟... وإلى متى؟


... و«القاعدة» تربح إلكترونياً «كل 3 أو 4 أيام هناك شريط فيديو جديد لأحد قادة «القاعدة» يبثّ على الإنترنت، يصوّر في استوديوهات مجهّزة ويتنقّل على الشبكة من دون أي حاجز أو رقيب»، هذا ما أشارت إليه الصحيفة كأحد إنجازات «القاعدة» الإعلامية، متسائلةً عن سرّ هذا النجاح الذي يتطلّب تقنيات متطورة جداً. وترجّح الصحيفة وجود بنية تحتية في باكستان تخضع لدرجات عالية من الحماية، مهمتها تأمين الخطوط التي تضع التنظيم على الشبكة العنكبوتية. موقع «الفجر» مثلاً يقترح على زوّاره دليلاً جاهزاً تحت اسم «المجاهد التقني» للتعريف بتقنيات إخفاء البصمات وإيقاف تعقّب المواقع الإلكترونية.
وفيما رأى وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس في تشرين الثاني (نوفمبر) 2007 أنه «من المخجل أن تتفوّق قدرات «القاعدة» في التواصل الإلكتروني على الإمكانات الأميركية»، حذّر بعضهم أخيراً من كثافة ظهور قادة التنظيم على الإنترنت، رابطين بين مقتل بعضهم بعيد ظهورهم من دون أقنعة في أشرطة على الإنترنت. كما أشار المقال إلى إمكان استعانة «القاعدة» بأحد الباحثين الأميركيين، واسمه آدام غادان الذي أشهر إسلامه العام الماضي وانتقل للعمل في باكستان.