بيار أبي صعبليس الموعد بحدّ ذاته حدثاً تلفزيونيّاً، ولا برنامجاً حوارياً أو شريطاً وثائقيّاً، أو أمسية مسجّلة خصيصاً للشاشة الصغيرة. إنّه حدث ثقافي ووطنيّ مهمّ، سينقله التلفزيون، من مدينة عربيّة تجاهر بهويّتها وتاريخها. هذه المدينة هي رام الله التي تحتفل بمئويّة بلديّتها... أما «نجم» الاحتفال، فهو محمود درويش. سيفتح لنا الليلة أوراقه الشعريّة، ترافقه موسيقى«جبران تريو»، هذه الفرقة التي نودّ لو نسمعها أكثر في المهرجانات العربيّة. الجديد في كلّ ذلك أن الاحتفال الذي ينقل الليلة مباشرةّ على «الجزيرة»، مشرّع ــــ بفضل فضائيّة عربيّة ــــ على أوسع دائرة من المواطنين/ المشاهدين العرب، ممن تحول بينهم وبين أرض فلسطين أسلاك شائكة وحواجز عسكريّة وجدران فصل عنصري. كنّا على ثقة أن «عربسات» يصلح أيضاً لأشياء مفيدة، مثل كسر عزلة الفلسطينيين وتحدّي الاحتلال الإسرائيلي.
محمود درويش، بمعزل عن أي شيء، يبدو هنا ــــ هذه المرّة أيضاً ــــ صوت شعبه المحاصر. هذا الشاعر الذي مضى منذ سنوات عدّة إلى لغة شفافة، ذاتيّة وحميمة، لا تخشى التجريب، سيقرأ بعضاً من جديده، وقصائد معروفة ــــ كما أسرّ لنا ملاكٌ صديقٌ في رام الله ــــ وخصوصاً القصيدة التي كتبها أخيراً في الذكرى الستين لنكبة 1948، بعنوان «على محطّة قطار سقط عن الخريطة». ونحن سنكون هناك، في قصر رام الله الثقافي، لنسمع الصوت الأليف الذي تحبّه المنابر: «وقفتُ في الستين من جرحي. وقفتُ على/ المحطة، لا لأنتظرَ القطار ولا هتافَ العائدين/ من الجنوب إلى السنابل، بل لأحفظ ساحل/ الزيتون والليمون في تاريخ خارطتي. أهذا.../ كل هذا للغياب وما تبقي من فُتات الغيب لي؟/ هل مرَّ بي شبحي ولوّح من بعيد واختفى/ وسألتُهُ: هل كلما ابتسم الغريبُ لنا وَحَيَّانا/ ذبحنا للغريب غزالةً؟ (...)».
كم نحب التلفزيون حين يمضي إلى حيث الحياة. حين يكون في خدمة الحدث، وخدمة الناس... بدلاً من أن يحوّل العالم بأثره إلى استوديوهات تصوير لاستعراضاته، مسخّراً الناس في جيوش الكومبارس التي تملأ شاشته الجوفاء.
20:00 مباشر على «الجزيرة»