رصاصةٌ طائشة تصيب رسّامة مطلع الثمانينات، فتقلب حياتها رأساً على عقب. من هنا ينطلق مسلسل «الطائر المكسور»، مع ورد الخال وجورج شلهوب وتقلا شمعون ومارسيل مارينا، ليستعيد محطات من الذاكرة المسكونة بـ«بشاعة الحرب وويلاتها»
باسم الحكيم

تراهن معظم الشاشات المحليّة اليوم على الدراما اللبنانيّة. إذ إنّها أدركت أكثر من أي وقت مضى أن المسلسلات المحلية قادرة على استقطاب الجمهور. غير أن ضيق ذات اليد عند بعضهم، جعلهم يبحثون عن التوفير في الإنتاج حيناً، عبر تحويل النصوص إلى دراما إذاعيّة، تعتمد على الحوارات. كما أن سوء اختيار النصوص جعل بعضهم الآخر، يلجأ إلى قصص بعيدة عن واقعنا ومجتمعنا، لتبدو أعمالهم، كأنها آتية من أميركا اللاتينيّة. وهؤلاء يدافعون عن وجهة نظرهم بالقول إنهم «يصوّرون فئة معيّنة من الشعب اللبناني المختلف عن بقية شعوب العالم العربي». فيما يدّعي آخرون «البحث عن صيغة تشويقيّة في القصص المستوردة، سعياً وراء المزيد من الإثارة وسرعة الأحداث». أضف إلى ذلك هروب بعض الكتّاب من الإضاءة على الواقع المتعدد الطوائف والملل، لضرورات رقابية وتسويقيّة، أو سعياً وراء الاستسهال.
لعل الصورة لن تتبدل كثيراً في المستقبل القريب، لأن اعتراف الشاشات اللبنانية بأهمية «المحلي»، رفع عدد ساعات الدراما فقط، دون أن تطرأ تغييرات جذريّة على المضمون.
وسط كل ذلك، اتجهت الرسامة والشاعرة مهى بيرقدار، زوجة الأديب والشاعر يوسف الخال، أخيراً إلى كتابة النصوص الدراميّة «الواقعيّة». أما باكورة كتاباتها، فهي حلقات «الطائر المكسور» للمخرج ميلاد أبي رعد وإنتاج مشترك بين شركتي «الخيال» و«نيولوك بروداكشن»، في ثلاثين ساعة تلفزيونيّة تتوزع بطولتها بين ولدي الكاتبة ورد ويوسف الخال، إضافة إلى جورج شلهوب، ومازن معضّم، وتقلا شمعون، ومارسيل مارينا، وإيلي متري، ووجيه صقر، ونيللي معتوق، وألين لحّود، وليلى قمري ومجموعة من الممثلين. ويمثل «الطائر المكسور» هنا، معاناة المواطن مع واقعه، مسلطاً الضوء على نماذج مختلفة من الناس في مجتمعنا.
تشرح الكاتبة أن «العنوان هو مجرّد رمز لكل إنسان في هذا البلد، لأن كلاً منّا هو طائر مكسور على طريقته، وهو عنوان أدبي مأخوذ من حادثة تأتي ضمن سياق القصة». الفكرة الأوليّة للعمل كتبتها بيرقدار قبل أكثر من عشرين عاماً، وسلّمتها للممثل جورج شلهوب الذي كان خارجاً لتوه من إنتاج فيلم «شبح الماضي» (1986)، إلّا أن سوء الأوضاع الأمنيّة آنذاك وانهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار، حالا دون استمرار شلهوب في الإنتاج وأجّل المشروع حتى إشعار آخر. وقبل نحو عامين، قرّرت بيرقدار استكمال مشروعها، وهذه المرّة لم تعد عينها على السينما، بل على التلفزيون الذي يتيح لها أن تعرض نماذج إضافيّة من الناس في ثلاثين حلقة بطولتها جماعيّة. وهي تقول إنها لخّصت انطباعات عن الناس «الذين تأثّروا بالحروب المتتالية، وتركت بصمات واضحة على حياتهم». وتوضح أن «الفكرة التي سلمتها إلى شلهوب، هي جزء بسيط من العمل الذي يصوّر حاليّاً. يومها، أصبتُ برصاصة جراء انفجار (مطلع الثمانينيّات) بدّلت حياتي، وأردت نقل معاناتي عبر حكاية رسّامة أصيبت خلال الحرب». في «الطائر المكسور»، تصاب الرسامة في بداية العمل، وتتغير بعدها رؤيتها إلى الأمور وطريقة تفاعلها مع حياتها الجديدة، على أن «يربط المشاهد قصتها بمسألة فقدان الأمن في البلد».
ليست حكاية الرسامة ربى بتفاعلاتها وتفرعاتها، هي الوحيدة في سياق الأحداث، فهناك أيضاً تجربة عماد (مازن معضّم) الذي تجمعه الصدفة بالرسامة قبيل إصابتها، وسرعان ما تنشأ بينهما قصة حب، تعكّرها إصابة الحبيبة برصاصة طائشة، ثم مشاكل الشاب العائلية وفقدانه ابنه، ما يرميه في حياة الليل والميسر.
في العمل أيضاً، نتعرّف على الفنان والموسيقي بسّام (يوسف الخال) الذي يعمل في أحد الملاهي الليليّة، ويعاني ظروفاً عائلية صعبة، تدفعه إلى السفر إلى دبي حيث يلتقي سيدة أعمال (تقلا شمعون)، تملك أحد الفنادق الفخمة هناك وتتعاقد مع الفنانين والفرق الموسيقيّة. وبسبب خلافاته مع زوجته، يتعلق بها وتنشأ بينهما علاقة حب.
وهناك أيضاً عمّة الرسامة (مارسيل مارينا)، وهي سيدة فقدت ابنها خلال الحرب على خطوط التماس، فأسّست جمعيّة تعنى بالعمل الإنساني. وعبرها تتعرف إلى المتمول الكبير جواد النعمان، ثم تعرّفه إلى ابنة أخيها، ويتزوجان على رغم فارق العمر بينهما الذي يصل إلى أكثر من عشرين عاماً. وهنا، إسقاط آخر من حياة الكاتبة التي يكبرها زوجها الأديب الراحل يوسف الخال بأكثر من ثلاثين عاماً: «ربّما استوحيت من حياتي كيف يعيش زوجان، أحدهما يكبر الآخر بأكثر من ثلاثين عاماً». وبين صديقات الرسامة، تطلُّ مدرّسة باليه (نيللي معتوق)، وهي تقرّر التطوع كمسعفة في الصليب الأحمر اللبناني، إثر إقفال المعهد الذي تدرس فيه، ثم تصاب بخيبة أمل بعد زواجها وإجهاض طفلها في حادث.
لا تدّعي الكاتبة أن عملها سيُحدث تحوّلاً في الدراما المحليّة لأنها مؤمنة بأن «لا جديد تحت الشمس»، وإن كانت قصصه المتشابكة تبدو مأخوذة من صميم الواقع اللبناني، بل ما يختلف برأيها هو أنه «يحمل بصمتي، بصمة المرأة الفنانة والرسامة التي عاشت الحرب وعانت ويلاتها». وتشير إلى أن «المسلسل يضيء على شخصيات طيبة، صامتة، تعيش المعاناة، مبتعداً عن قضايا الإدمان والمخدرات». وإذا غابت الشخصيات الشريرة، فمن أين تولد الحبكة الدراميّة؟ تسارع إلى التأكيد: «أبطالي ليسوا قديسين». لكنها تبقي الإجابة عن السؤال رهناً بمشاهدة العمل: «أترك المظاهر السلبيّة في مجتمعنا لغيري من الكتّاب، لأن عيوننا تعبت من مشاهد القتل والدمار والمخدرات وحتى الراقصات».
وعلى رغم أنها أنهت كتابة نص مسلسلها «دفاتر الأيّام» الذي يتناول حياة مراسلة صحفيّة حربيّة وينقل معاناتها بين الحياة والعمل، إلا أن عملها المقبل سيكون بطله ابنها يوسف في مسلسل تواصل كتابة أحداثه حاليّاً، وتتكتم عن ذكر أي تفاصيل عنه».
وإلى جانب انشغالها بالدراما، تعِد بيرقدار التي أصدرت مجموعتها الشعرية الأخيرة «الصمت» العام 2004، بإصدار ديوانها الشعري الجديد في العام المقبل، «اللهم إذا وجدت داراً للنشر، لأنني تعبتُ من النشر على حسابي، وإقامة الندوات بمفردي».


ميلاد أبي رعد