سعد هادي لماذا هجرة نحو خراب؟ لأن الناس هاجروا من أماكن تمكّنت منها الحرب إلى أماكن هي أشلاء حرب. هاجروا إلى خراب داخلي لا يفارقهم، في أماكن لا تعرف مَن هم ولماذا هاجروا. يريد الفنّان أيضاً، بعد أحداث سريعة وحاسمة، أن يذكِّر بأشخاص صوره، أين أصبحوا؟ هل فروا إلى أماكن أخرى؟ هل قتلوا في التفجيرات؟ ما مصير الأطفال الذين يظهرون في الصور أكثر من سواهم؟ وقد كانوا يتنقلون بين أروقة البنايات أشبه بالتائهين بين رغباتهم وفقر موجع: هل تحولوا إلى أفراد ميليشيات، أم إلى متسولين، أم إلى منتظرين خارج الحدود؟
أقام زياد عام 2005 معرضاً بالعنوان نفسه ضم صوراً بالأسود والأبيض، تنقل بين عدد من الدول: سنغافورة، ألمانيا، إيطاليا... وقد تأخر عرضه للصور الحالية، لأنه لم يشأ أن تضيع في زحمة الصور التي ترصد الوضع العراقي. كان ينظر إلى المأساة بالأبيض والأسود فقط. أما الآن، فها هو يدخل اللون إلى الصورة ليزيد من الأحساس بهول الفاجعة. هناك تفاصيل في صوره الحاليّة لم تكن تظهر من قبل: الخلفية مثلاً، بؤس الملابس وتداعي الأشياء، وما يظهر على ملامح الأشخاص. نقل المناخ النفسي أصبح (ويا للأسى) أفضل بالألوان! إنّها سيرة في مشاهد متتالية لزمن يتردى، سيرة لا يمكن تصديقها رغم وثائقيتها.
زياد تركي هو مدير التصوير في فيلم عدي رشيد «غير صالح» (2005) وهو من أوّل الأعمال الروائيّة في العراق بعد الحرب. كما اشترك مع الروائي العراقي علي بدر في إنجاز فيلم «تحت الرماد» من إنتاج الأونيسكو. وكان آخر ما أنجزه، قبل هجرته إلى سوريا منذ سنتين، فيلماً وثائقياً طويلاً بعنوان «بغداد مدينتي» Home Town Baghdad، صوّره مع ثلاثة مصوّرين هواة عن يوميّاتهم في ظلّ تصاعد النزاعات العرقية والمذهبية في العراق 2006. وينتظر أن يعرض الشريط قريباً في عدد من القنوات الفضائية.
في هذه الأثناء، يواصل الفنان العراقي الإعداد لمعرض عن باب توما في دمشق، مركّزاً على فكرة المكان ذي الثقافات المتنوعة. بالنسبة إليه ـــ هو القادم من خراب معماري ــــ فإنّ باب توما لا يتمتع بجماليات معمارية فريدة فحسب. إنّه مكان يذكِّره ببغداد الماضي، المدينة الكوزموبوليتيّة. لغة الضوء في باب توما تبدو الأبرز بين لغات متعددة. كأن الشمس هي التي بنت المكان، لا البشر.