مسلسل عن صدام حسين للـ LBC، أكاديمية لكتّاب السيناريو، وغزوٌ قريب للمغرب العربي... المنتج المعروف حسن العسيري يعدنا بثورة دراميّة انطلاقاً من المملكة، ويعترف:«عندما دخلنا سوق القاهرة، تعاملنا مع المصريين كآلات»
الرياض ــ علي فواز

يُقال إن حسن العسيري آخذٌ في التحوّل إلى ملك إنتاج... مقولةٌ يؤكدها الممثل والمنتج السعودي نفسه عندما يفصح عن رؤية شركة «الصدف» التي يمتلكها، أن تصبح أكبر بيت لإنتاج الدراما العربية على مستوى العالم. وهذا يعني أنها آتية إلى كل الأسواق. علماً أنها تملكُ اليوم مكاتب في مصر وسوريا والأردن، وسوف تنتقل للعمل قريباً في شمال أفريقيا وتحديداً في المغرب العربي. وما يعزز هذه المقولة أيضاً كشف العسيري أن «الصدف» تعمل بـ180 مليون ريال (48 مليون دولار) تقريباً، بمعدل 22 عملاً في السنة. كذلك توقيعه عقوداً حصرية مع نحو 90 فناناً بين ممثل ومخرج وكاتب، بينهم الممثّلان فايز المالكي وراشد الشمراني والمخرج أيمن شيخاني، إضافةً إلى المخرج السوري حاتم علي الذي يتعامل معه على أساس عقد سنوي لا حصري.
ومن أبرز المشاريع المقبلة التي صرّح بها لـ“الأخبار»: مسلسل عن صدام حسين كلّفته LBC إنتاجه، ومشروع وصفه بـ“الكبير» مع المصريين، بعد تلقيه دعوة من المدير العام لقطاع الإنتاج في مصر بشأنه. أما بخصوص بطلي «طاش ما طاش» ناصر القصبي وعبدالله السدحان اللذين يملكان شركة «الهدف»، فيشير إلى أنه قرأ أنهما سعيدان بأي تحالف بينهما. ويقول إن ذلك يسعده أيضاً وسوف يكون هناك حوار بين الجهتين، بعد انتهاء شهر رمضان للتخطيط لأعمال مشتركة.
لكن يبقى السؤال: هل يمتلك العسيري، منتج مسلسل «الملك فاروق» فعلاً شركة «الصدف»، أم أنه مجرد واجهة للمالك الحقيقي (أي MBC) كما تشير بعض الأقلام في الصحافة السعودية؟ وهل يتعمّد الإثارة في مسلسلاته؟ وخصوصاً «أسوار» الذي يعدّ أول مسلسل عربي يُكرّم في مهرجان «إيمي» في نيويورك، و“أخوات موسى» الذي تطرق إلى مسألة المثلية الجنسية، ومنع عرضه على شاشة LBC في رمضان الماضي... من جهة أخرى، لماذا يتقاضى ممثل سعودي مثل فايز الملكي الذي يكاد يكون غير معروف إلا من جانب المشاهد السعودي، أجراً يفوق ما يتقاضاه يحيى الفخراني؟ وهل نتحدث عن سطوة المال الخليجي مجدداً؟.
لم يكن متوقعاً أن يثير العسيري عاصفة تجاه المصريين لدى سؤاله عن سبب اتجاهه نحو الاحترافية، وعمّا إذا كانت هذه الاحترافية نتيجة تراكم الخبرات أم أن الظروف هي التي خدمته. إذ أجاب: «أنا أتكلم عن 17 عاماً من العمل في السعودية، وهي تعادل 7000 سنة من العمل في أي مكان آخر في العالم. ذلك أن العمل الدرامي في السعودية قاس جداً، والدليل أننا عندما دخلنا السوق المصري وأنتجنا «الملك فاروق» أدرناه ونفذناه برؤيتنا نحن. أخذنا المصريين واستخدمناهم كالآلات (افعل كذا ونفذ كذا). ولو أنتجته شركات مصرية، أشكُّ في أنه كان سيخرج بهذا الشكل».
يرى العسيري أن أساسيات اللعبة تغيّرت في السوق خلال السنوات الثلاث الماضية، فلم يعد هناك سيطرة مصرية. والسعوديون ـ برأيه ـ عندما دخلوا مجال الإنتاج أعادوا ترتيب الأشياء. كما يرى أن قوة السوق الإعلاني السعودي، انعكست على أهمية السوق الدرامي السعودي، فما يُدفع اليوم للنجوم السعوديين هو أعلى بكثير مما يدفع للنجوم في الوطن العربي. هذه المعادلات الجديدة حكمها السوق كما يؤكد العسيري. والسبب أن المشاهد السعودي لم يعد يهتم بقضية فتاة تغتصب في مصر بقدر اهتمامه بالجرائم والقضايا التي تحدث عنده، معتبراً أن المشاهد هو من أجبر المعلن على ذلك، وهو من بات يفضّل اليوم فايز المالكي على يسرا. ويستند العسيري إلى إحصاءات صدرت عن شركات مثل «ماينشير» و“إبسوس» وغيرهما ليقول إن «باب الحارة» حلّ ثالثاً في نسبة المشاهدة لدى السعوديين، بعدما تصدّر القائمة «طاش» و“بيني وبينك»، مع أن المسلسل السوري حلّ أوّل خارج المملكة.
وعن القرار الذي اتخذه نقيب الفنانين المصريين أشرف زكي بمنع الممثلين العرب من المشاركة في أكثر من عمل واحد في السنة، رأى أن ذلك لا يعنيه لأنه لا يوجد أي ممثل سعودي يعمل هناك. لكنه هدد بإيقاف التعامل بالكامل مع مصر إلى أن جاءته دعوة من جهات رسمية اعتبرها في غاية اللطف والذكاء. ويقول: «هم لم يدعونا إلا لأنهم يعرفون أهمية جمعية المنتجين السعوديين، نحن قلنا إذا كان سيتم التعامل على هذا الأساس فهو أساس عنصري. ثم تمت تسوية المسألة».
نسأله هنا عن أبرز المعضلات التي يواجهها الإنتاج السعودي، فيشير إلى عدم وجود صناعة كاملة في هذا المجال. ويقول: «جميع الذين يقفون وراء الكاميرا يأتون من خارج السعودية»، كاشفاً عن قرار اتخذه باستثمار أربعة ملايين دولار على مدى سنتين في تدريب السعوديين لمواجهة هذه المشكلة. وعن الهدف من وراء هذا التوجه، يفيد أنه لا يمكن أن يتكلم شخص بدلاً عنك ويحس بك كما تحس أنت. ثم يستطرد شارحاً أن المخرج سأله في أحد المشاهد عن معنى «في ذا» وأجابه أنها تعني «في هذا المكان»، فسأله مجدداً لماذا لا تقول «في هذا المكان» وأجابه «لأننا في هذه الحال لا نعود نحن».
لكن ألا يحدّ الواقع الاجتماعي من التطور الدرامي في السعودية؟ يجيب العسيري: «من دون شك الضوابط الاجتماعية قاسية جداً وأحياناً تحدّك من التفكير، ونحن واجهنا مشكلة كبيرة في مسلسل «أسوار» وضغوطاً غير منطقية. وكانت أصوات الممانعين عالية جداً إلى درجة أن صوتك يضيع في الزحمة». ومع ذلك، يأمل أن يمهّد صنّاع الدراما اليوم الطريق للأجيال المقبلة، متوقعاً بعد عشرات السنين أن تكون الأمور عادية، «وقد تضحك الأجيال المقبلة على ما يتعرض له جيل اليوم».
أما عن مشكلة المشاكل المتمثلة بندرة النصوص الجيدة في السعودية فبرّرها العسيري بعدم وجود أكاديميات متخصصة في السيناريو، كاشفاً عن وعود تلقاها من وزير العمل غازي القصيبي (وهو أيضاً من أبرز الروائيين السعوديين) للحصول على تصاريح بإنشاء أكاديمية.
لكن في هذه الحالة، لماذا لا يتم اللجوء إلى الأدب الروائي الذي يشهد طفرة هذه الأيام، لتعويض هذا النقص؟
يجيب العسيري: «الروايات تضعنا في المأزق الاجتماعي الذي تطرقنا إليه. هناك أدب تلفزيوني يجب أن تراعى فيه تفاصيل المجتمع، ونحن فكرنا في اللجوء إلى الروايات لكن إذا أخذناها واقتطعنا منها بعض الأجزاء، نخشى تحويلها إلى عمل مشوّه».
أخيراً، يشرح العسيري سبب عزوفه عن إنتاج الأفلام كما تفعل «روتانا» أو دعم الأفلام القصيرة، فيفيد أنه ضدّ الإنتاج السينمائي حتى تتوافر صالات العرض في المملكة. أما إذا كانت السينما لأغراض إبداعية، فيرى أن هذا دور الحكومة التي يقع على عاتقها إبراز مواهب البلد، لكن لاعتبارات تجارية يرى أن السينما غير مجدية، عازياً إنتاج «روتانا» للأفلام إلى معايير معيّنة تغطّيها شاشاتها.


من هنا تؤكل الكتف

بقيت علاقة العسيري بـMBC تثير أسئلة الصحافيين من دون أن تشبع نهمهم، فتارة تنقل عن مصادر أن العسيري لا علاقة له بإنتاج «طاش»، وطوراً تشير إلى أن القناة المذكورة تملك الجزء الأكبر من شركة «الصدف». وفي هذا الإطار، يرى العسيري أن علاقته الحقيقية مع MBC تقوم على منفعة متبادلة بعدما وجدت القناة أن «الصدف» تعمل بطريقة منظمة، فتعاملت معها. لكن العسيري لا ينفي وجود نقاشات عن تفاصيل معينة، ويتحفظ عمّا يتعلق بمجلس الإدارة، قائلاً إنه إلى الآن ليس هناك شيء رسمي معلن. لكنه يشدد على أن MBC تتعامل مع أي جهة تتعاون معها باحتراف. وعن السبب وراء ما يروّج عنه من أنه يعرف من أين تُؤكل الكتف، يجيب ضاحكاً: «إن شاء الله لا ندخل في اللحم والأكتاف». ويستطرد أنه يعرف كيف يخطط لعمله بطريقة جيدة، مشيراً إلى أن كثيراً من السعوديين معتادون على تعابير مثل «إن شاالله، وبكرا، وبعد المغرب، ويصير خير، وتتسهّل» في إشارة إلى التلكؤ. ويؤكد أنه يعمل بناءً على جدول، وهو يعرف من الآن وحتى السنوات الخمس المقبلة ماذا لديه وما الذي يتوجب عمله، ولا يستطيع أن يعمل بطريقة «ندبرها وتكفى يا بو علي».
يتولى العسيري منصب منسق العلاقات الدولية والمسؤول عن التمويل في «جمعية المنتجين السعوديين» التي أُنشئت من حوالى سنة ويرأسها محمد الغامدي، وهي تلقى دعماً من وزارة الإعلام. وقد مثّلت الجمعية المنتجين السعوديين خلال المفاوضات مع الجهات الرسمية في مصر، وتُعدّ المنظم القانوني لحركة الإنتاج في السعودية.