زياد منى أصعب الأمور التي يمر فيها أي إنسان نعي صديق، وهذا هو حالي وأنا أجلس لأخط هذه الكلمات تحية لصديقي العزيز والعالم العملاق د. عبد الوهاب المسيري الذي غادرنا صباح اليوم، بطريق مشفى فلسطين في القاهرة اللتين أخذتا في أعماق قلبه مكانة خاصة.
على شخصيات كهذه نذرف الدموع، ونرفع صراخنا عالياً شاكين ومتألمين، مع علمنا بأن الموت حق. عبد الوهاب المسيري، الصديق الكبير، في جانب من جوانب شخصيته المتعددة الطبقات، لم يكن صديقاً عزيزاً فحسب، ولا عالماً كبيراً فقط، بل، إضافة إلى معجم كامل من الصفات الحميدة، مؤسسة في شخص واحد. كم كانت كلمات المعلم الكبير الراحل د. نقولا زيادة عن الفارس العربي ـــــ المصري الذي ترجّل مرغماً، عندما قرأ عن صدور «موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية»، وكنت يومها معه في منزله في قريطم! أراني مقالة عن ذلك العمل الجبار، هازاً رأسه إعجاباً واحتراماً، ثم سأل: هل أبدع العرب في ميدان الشعر لأنه عمل فردي، ولم يتقنوا المسرح لأنه عمل جماعي؟ واستطرد: عبد الوهاب المسيري نجح في عمله لأنه عمل وحده. ولكنه في الوقت نفسه وافقني على أن عبد الوهاب المسيري لم يكن وحده في العمل، لأنه مؤسسة في شخص، وشخص في مؤسسة. كلمات اللغات جميعها لا تكفي أيها الصديق العزيز لنعدد مآثرك العلمية وأفضالك علينا، نحن الباحثين، أكثر من أن يستوعبها مقال.
أعلم أيها الصديق أن المرض أنهك جسدك، لكنه لم يتمكن من روحك المرحة الودودة الصدوقة كما عشتها دوماً في حضرتك، وأخيراً في الشهر المنصرم في القاهرة، عندما التقينا في بيتك ــــ المتحف، أنت وأنا وكرام القوم الذين كنت دوماً حريصاً على تعريفي بهم كلما حضرت إلى القاهرة، عاصمة العرب والعروبة، ولم أكن أعرف أنها ستكون زيارة الوداع.
نم قرير العين يا صديقي، وإلى اللقاء الحتمي في غير هذا العالم، واغفر لنا إن لم نرتق بعد إلى عطاءاتك، فنحن في حاجة إلى كل الأزمنة لندرسها جميعها، ونوفيها حقها، أو بعضه.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.