strong>«واجبي زرع البهجة في نفوس الناس، حتى في أصعب الظروف». شعارٌ رفعته حتى تهاوت على الخشبة في مثل هذا اليوم. «فنانة الفرح» نسيَها الإعلام، وغاب عنها التكريم الرسمي. فيما ابنتها تحاول تخليد ذكراها بكتاب أو جائزة
باسم الحكيم
منذ رحيلها قبل عشرين عاماً، وفريال كريم غائبة عن الإعلام. طيلة هذه السنوات، كانت «الكوميديانة» الاستثنائية منسيّة، إلا من عائلتها الصغيرة، وخصوصاً ابنتها الممثلة منى كريم وبعض الزملاء. أحلامٌ كثيرة راودت الابنة لتخليد ذكرى والدتها، أوّلها كتاب يؤرّخ لحياتها، ثم جائزة باسمها تقدّم سنوّياً لأفضل فنان كوميدي ومونولوجيست. لكن هذه المشاريع بقيت أحلاماً، ولم تترجم حتى اللحظة على أرض الواقع. ذلك أن المجهود الفردي وحده لا يكفي، في ظلّ عدم التفات أي جهة رسميّة لتكريم المبدع في لبنان. وفي أحسن الأحوال، تكتفي الوزارات المعنيّة بوضع وسام على نعشه، بينما تهتم بعض اللجان الفرديّة بتكريمه بشكل متواضع. وهو ما فعلته لجنة «تخليد عمالقة الشرق» مثلاً التي كرّمت مجموعة من روّاد الغناء واللحن والكلمة والتمثيل والمسرح، قبل أن تعلّق نشاطاتها في السنوات الأخيرة.
ليس مبالغةً القول إن فريال كريم كانت علامة فارقة في دنيا الفن. هي «الفنانة الخلاّقة المبدعة في أعمال أيّام زمان»، كما يصفها الراحل محمد شامل. وهي أيضاً «صاحبة الموهبة الاستثنائيّة والجناح الذي كنا نحلّق به ومعه، على خشبة المسرح الوطني»، كما يقول عنها الراحل إبراهيم مرعشلي. أما أبو سليم، فحين يكشف عن صعوبة الكتابة لممثل كوميدي، يشير إلى أن «فريال هي فنانة بالفطرة. لذا، سعيتُ إلى التعامل معها يوم رأيتها في برنامج «بيروت بالليل» لحسن المليجي، ثم في «إم اخبار» كتابة سامي الصيداوي وإخراج باسم نصر». وهي أطلت مع أبو سليم أيضاً في مجموعة من الحلقات بينها: «اللص الظريف»، و“الأبواب السبعة»، و“المليونير»، و“البوسطة»، و“سيّارة الجمعيّة»، و“انسى همومك» و“مسرح الفكاهة». فيما يرى إلياس الرحباني أنّها فنانة «يصعب نسيانها»، ويتذكّرها دائماً عبر الأغنيات الفكاهية التي غنتها من كلماته وألحانه، مثل: «برّات البيت عاملي عنتر»، و“يا أسمر يا كحيل العين»، و“خدلي إيدي» و“جارنا الشاويش». إضافةً إلى الأغنية التي اشتركا في غنائها معاً «مطار أورلي».
بدأت فريال كريم حياتها الفنية في دمشق حيث أطلت على المسرح مع الراحل سعد الدين بقدونس (زوج أختها كلير) في مسرحيّة «طبيب بالرغم منه». بعدها، تعرَّفت إلى الكاتب محمّد شامل، حين طلبت منه شقيقتها إيزابيل، أن يسند إلى فريال دوراً صغيراً في إحدى التمثيليّات الإذاعيّة. ومنذ أن رآها، أدرك شامل أنه أمام موهبة تعدُ بالكثير في المستقبل، فأسند إليها دوراً في برنامجه «شارع العز»، ثم في «يا مدير» و“الدنيا هيك» فيما بعد. وفي معرض حديثه عنها، يكرر شامل أنه لم يكن يسمح لأي ممثل بأن يغيّر في نصوصه، لكنه كان يرحب بإضافات فريال وحدها: «لأنها تضفي نكهة جميلة على العمل».
لم تفكّر فنانة الفرح يوماً في المردود المادّي. هاجسها الأول، تمثّل دوماً في رسم الابتسامة على شفاه ملايين المشاهدين حتى في أوقات الحرب. وبهذه الطريقة فقط، تَشعُر بأنها أدت واجبها الذي تختصره بزرع البهجة في نفوس اللبنانيين في زمن الاضطرابات الأمنيّة. تراها رفيقة الدرب ليلى كرم «فنانة شاملة، أي أنها ليست ممثلة كوميدية بامتياز فقط، بل هي فوق ذلك ممثلة ناجحة في مجال التراجيديا، وتدفع بالممثل الواقف أمامها إلى الاندماج في الدور ليخرج كل طاقاته الإبداعيّة». لكن لا بأس من الخروج أحياناً عن قواعد اللعبة، وتحويل مشهد تراجيدي صعب إلى مشهد فكاهي. وهنا، تتذكّر ابنتها «إحدى حلقات مسلسل «حكمت المحكمة»، حينما خرجت والدتها عن الدور المرسوم لها في قاعة المحكمة، وحوّلت الدمعة إلى ضحكة».
كانت فريال كريم تُضحك من حولها حتى في أوقاتها العصيبة. وتقول منى كريم: «كانت مرّةً تصرخُ من شدة الألم في معدتها. وحينما اقتربتُ منها مع شقيقي سمير، لم أتمكن من منع نفسي من الضحك، لما في طريقة تعبيرها من سخرية وخفّة ظل». كما تتذكر الابنة التي ورثت فن التمثيل عن والدتها ووالدها محمد كريم «الجلسات الطويلة التي كان يمضيها عندنا أهل الصحافة والإعلام. وإذا باللقاء المفترض أن ينتهي في نصف ساعة، يمتد لما يزيد على ثلاث ساعات، لشدّة استمتاع الجالسين بأحاديث والدتي».
وفي المقابل، عندما تُفتح سيرة «الدنيا هيك»، تأسف منى لاستبعادها من النسخة الجديدة التي يخرجها نبيل الأسمر وتنتجها «نيولوك بروداكشن». وتقول: «أنا ممثلة منذ 25 سنة، ولستُ معتدية على هذا الكار، فلماذا يحضرون ممثلة أخرى لتجسّد شخصيّة زمرد (قدمت الدور فريال كريم في النسخة الأولى)؟ أنا أحقُّ من غيري بهذا الدور، وأدرك أكثر من غيري كيف يجب التعاطي معه، من خلال متابعتي لتحضيرات والدتي في المنزل». كما تنفي ما أشيع عن اعتذارها عن المشاركة في النسخة الجديدة، مشيرةً إلى أنّ «الأمر نفسه ينسحب على الممثل ميلاد رزق، ابن الراحل الياس رزق. إذ لم يعرض عليه حتى أن يؤدي شخصيّة عزيز السلمنكي». ومع ذلك، تفضّل منى كريم عدم المقارنة بين النسخة الأصليّة والنسخة الجديدة، ولا بين زمرد أيّام زمان وزمرد اليوم، «لأنني لا أعرف شيئاً عن أداء ليال ضو. ومن المؤكد أنها تؤدي الدور بنفَس جديد ومختلف».
فريال كريم، وفي ذكرى رحليها التي تصادف اليوم، لا شكّ في أنها ما زالت محفورة في ذاكرة الناس، من خلال أدائها العفوي الساحر والساخر، وأعمالها التي تزيّن أرشيف «تلفزيون لبنان». إضافة إلى مسرحياتها على خشبة المسرح الوطني مع شوشو والمخرج نزار ميقاتي: «وراء البرافان»، و«الدكتور شوشو» و«الحق عالطليان» و«واو وسين»... وأغنياتها التي يعيش على أمجادها فنانو اليوم.


دمعة وابتسامةعندما أرادت احتراف الفن، وقفت لها عائلتها بالمرصاد. وما كان متاحاً لشقيقتها إيزابيل سمعان المعروفة في الوسط الفني باسم «لمعان»، كان ممنوعاً عليها. ذلك أن شقيقتها لقيت تشجيعاً كبيراً من والدها بشارة سمعان، حين قررت دخول عالم الفن والغناء. بينما رفض الأب أن تدخل ابنته الصغرى فيرا (وهو الاسم الأصلي لفريال كريم) عالم الاحتراف. لأنه شعر بأن ابنته ميّالة أكثر إلى فن الكوميديا والتمثيل، على رغم أنها يوم بدأت الغناء قبل بلوغها السابعة من عمرها، كانت تردد أغنيات المطربة المصريّة ثريّا حلمي على مسارح القاهرة. وهي اشتركت كطفلة في الفيلم المصري «سكّة السلامة».