نوال العلي«في الطريق إلى الوطن» يحدث الكثير، بطولات وخيانات، إحباط يرافقه الأمل. وكتاب فايز رشيد الجديد بالعنوان نفسه (رياض الريّس) يصيب بالحيرة. إذ يجد المرء نفسه بين رافض للأسلوب المباشر في معالجة القضايا الوطنية، وألم ورضوض معنوية تحدثها هذه الضربات المتوالية التي جاءت على شكل سلسلة من القصص القصيرة، وربما المذكّرات، أو كما يسمّيها كاتبها في عنوان فرعي «شذرات من وقائع حياتية». هذا الألم يجعلنا للحظة نرغب في قراءة هذه اللغة المباشرة التي تشبه صفعة ضرورية ليبقى المريض مستيقظاً.
لا يعبأ رشيد بالحداثة وما بعد الحداثة، تسكنه رغبة في قول أحوال الفلسطينيين كما هي،من دون محسّنات بديعية واستعارات لفظية، كأنّه يكتب مذكّرات كل مَن عايشهم أو التقى بهم أو سمع عنهم... أو حتى ما عاشه هو. إذ إنّ رشيد المولود في قلقيلية (1950) أبعدته سلطات الاحتلال الإسرائيلي عام 1970 إلى الأردن، بعد اعتقال سنتين.
رغم ذلك، يقول صاحب «والجراح تشهد» في ملاحظة استهلّ بها مجموعته إنّ «الأحداث والشخصيات في بعض من هذه الشذرات هي من صنع الخيال، وأي تشابه بينها وبين الواقع، هو محض صدفة».
يضمّ «في الطريق إلى الوطن» 15 حكاية يهديها رشيد إلى مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، جورج حبش. وتدور معظم حوادثها في المعتقلات الإسرائيلية، حيث يسرد المؤلف التفنّن في أساليب التعذيب أثناء التحقيق. وما يجعل الكتاب ملتبساً على التصنيف، هو طريقة رشيد نفسها في الكتابة. إذ يبدو كأنه يشير إلى شخصيات معروفة بعينها، لكنه في الوقت نفسه لا يفعل.
في قصة «الحكيم» مثلاً، يحكي هذا الكاتب السياسي صاحب «تزوير التاريخ» و«ثقافة المقاومة» و«زيف إسرائيل»، قصة المناضل الذي ذهب إلى فرنسا للعلاج، وما رافق ذلك من ضجة دولية، بعدما كشف أمره أحد الصحافيين الفرنسيين، وكان بروغيير، القاضي الفرنسي المختصّ في قضايا الإرهاب، على وشك فتح تحقيق معه. ويقول شريك حياة المناضلة الفلسطينية ليلى خالد في القصة نفسها، «في قضية خطف الطائرات في بداية انطلاقة الجبهة، أراد ورفاقه أن يعرف العالم عن معاناة شعبنا (...) لما استنفدت هذه القناة النضالية أغراضها كان القرار بوقفها في 1972». وكذلك هي الحال في قصة «الدرة» التي تحكي قصة الطفل الشهيد محمد الدرة، وقصة «هدى» طفلة غزة التي قتل ذووها أمامها على الشاطئ. والأمر نفسه يتكرر في «اغتيال قائد» و«الرد» و«استشهاد».
يتلاءم أسلوب رشيد مع طبيعة قصص الكاتب التي لا تبحث عن الإبداع والتحليق في عالم السرد. إنّه كتاب استفزازي يقدّم حقائق معروفة، ساخراً من الصمت المطبق عليها. هكذا، يترك القارئ منهكاً لأسباب لا تتعلّق بصعوبة التأويل. بل إنّ سهولة رؤية ما يريد رشيد ــــ المتخلّي عن أقنعة الأدب ورموزه ــــ تأكيده هي ما يوجع بالفعل.