سعوديّ طلَّق زوجته بسبب مهند، وشركات سورية تنظم رحلات إلى قصر البطلة في إسطنبول، وmbc تخصّص قناة مشفّرة للمسلسل... من «سنوات الضياع» إلى «نور»، هل تستحقُّ الدراما التركية المدبلجة كل هذا الضجيج؟ ولماذا صارت ظاهرة في المجتمعات العربية؟
منار ديب

حين بدأت قناة mbc بعرض المسلسلات التركية المدبلجة باللهجة السورية قبل أشهر، لم يكن أحد ليتوقع أن تحظى بكل هذا الاهتمام. وعلى رغم أن أوّل هذه المسلسلات «إكليل الورد» (يُعرض حالياً على الفضائية الليبية) تمتّع بمستوى فني لا بأس به، ولم يكن طويلاً نسبياً... كان مفاجئاً أن يتزايد الاهتمام الشعبي بهذه الدراما مع عمل أقل أهمية كـ«سنوات الضياع» المستمر في العرض. ثم جاءت المفاجأة الكبرى مع «نور» الذي مثّل خطوة إضافية نحو مزيد من الرداءة، ليحقق حالة جماهيرية منقطعة النظير. وبدا أن الجمهور العربي لم تؤثر فيه كل محاولات صنّاع الدراما الجادة من سوريين ومصريين، لجهة طرح قضايا حقيقية تهمّه. وإذا بهذا المشاهد يفضّل العودة إلى أبسط أشكال الدراما: الـ soap opera التي وجدت لتسلية ربات المنازل، مع لعبة التشويق التي تصنعها الحلقات المتسلسلة، وعالم النميمة والثرثرة والفضول. وقد نقلت مجموعة mbc بث المسلسل إلى محطة mbc4 التي يتكوّن معظم مشاهديها من النساء والمراهقين! وعلى رغم الهوية التركية لهذه الأعمال، فإنّها تبدو بلا زمان أو مكان. وتأتي الأسماء العربية للأبطال لتخلق عالماً وهمياً، يوفر التسلية المطلوبة. فكيف إذا ترافق ذلك مع بطلات جميلات وأبطال وسيمين، وأزياء أنيقة وسيارات حديثة وديكورات فخمة ومناظر خلابة؟! وكل هذه العناصر تمثِّل صورة مشتاهة بالرغبة أو بالتماهي لدى قطاعات واسعة، بطريقة قريبة من لغة الإعلان.
يروي مسلسل «نور» حكاية الفتاة البسيطة نور (الممثلة سونغول أودن بصوت لورا أبو أسعد) التي تتزوج مهند (كيفانش تاتليتوغ/ مكسيم خليل) بناءً على رغبة جده. وذلك بعدما فقد مهند خطيبته في حادث سير. يتعامل مهند مع زوجته بسلبية. لكنه، عبر سلسلة من المواقف، يبدأ بحب نور. وقبل ذلك، تجهض أكثر من مرة بسبب معاملة مهند القاسية إلى أن تلد له طفلاً. كما تعاود الخطيبة القديمة الظهور وقد أصيبت بالشلل، لكن برفقة ابن مهند من علاقتهما. في الوقت نفسه، يحاول عابدين (علي كريم)، شريك نور في العمل، اللعب على تناقضات العلاقة بين الزوجين، ليدفع بالأمور نحو الطلاق، فيتزوج نور. ويلحظ من المسلسل أنه يتعامل مع قصّة استثنائيّة، ويقدِّم شخصيات مثالية مسطحة: فنور تمثّلُ الخير بشكله المطلق، وعابدين يمثل شراً مطلقاً، فيما تبدو تحولات مهند غير مقنعة وهو دوماً مبرر له، وتحولاته تتجه نحو مزيد من الإيجابية باستمرار، ويتوافق ذلك مع الصورة التي يسعى المسلسل إلى صناعتها لهذا البطل الجميل... والأبله. فهذا الممثل المغمور المقبل من عالم عروض الأزياء تحول إلى أسطورة في الشارع العربي، وخصوصاً لدى الجنس اللطيف. وها هي صوره المطبوعة تنتشر في الشوراع وتباع بكثرة في دمشق. كما وضعت بعض الفتيات صورته على الهاتف الخلوي أو جهاز الكومبيوتر، فيما يتم تداول قصص عن حالات طلاق تسببَّ بها مهند. وقد يجيءُ ذلك ضمن الحملة الإعلامية لترويج العمل.
وقد وصل الأمر بشركات السياحة السورية إلى استثمار مسلسل «نور» للدعاية إلى رحلاتها إلى تركيا. وأحد البرامج السياحية إلى إسطنبول يعدُ الزبائن بزيارة قصر عائلة «شاد أوغلو» (في المسلسل) مقابل 30 دولاراً، بمعزل عن التكاليف الأخرى للرحلة!
قصصُ أبطال «نور» لا تتوقف في الإعلام، كأي مادة رائجة، فكيفانش تاتليتوغ (مهند) سيتزوج ملكة جمال تركيا، ويُحتمل أن تكون أصوله عربية. أما سونغول أودن (نور) فلديها دعوى طلاق بسبب شكوك زوجها في كونها تقيم علاقة مع تاتليتوغ. ويجيء تنظيم قناة mbc زيارة لأبطال المسلسل إلى دبي (بعد أبطال «سنوات الضياع») في المسعى الترويجي نفسه، فالقناة القوية تعمل اليوم وبمساندة أذرع إعلامية أخرى من مرئية وإلكترونية وورقية، على قولبة الرأي العام في اتجاه ترفيهي، استهلاكي، ومحافظ.
المسلسل الذي يقع في 165 حلقة، يؤدي أصواته عدد من الممثلين السوريين، منهم من يملك قدراً مقبولاً من الشهرة والنجاح على نحو يبدو مفاجئاً عمله في الدبلجة كلورا أبو أسعد، وهي المشرفة العامة على المسلسلات الثلاثة، ومكسيم خليل. إلا إذا كان هناك اعتقاد سائد بأنّ هذه الأعمال يمكن هي الأخرى أن تصنع نجومية. فيما تؤدي الممثلة والمخرجة المسرحية رغدة شعراني صوت دانا، والفنان علي كريم (عابدين)، وأماني الحكيم (شريفة خانم)، وإياد أبو الشامات (أنور). وفي ظلِّ تقلُّص فرص العمل سيجد العديد من متخرّجي المعهد العالي للفنون المسرحية مكاناً لهم في الأداء الصوتي لأحد الأدوار في مسلسلات تركية قادمة. وهي أعمالٌ ستجد مكاناً لها في قنوات مختلفة. إذ لا تحظى mbc بأكثر من حق العرض الأول، فيما تملك شركة «سامة» السورية حق البيع لمن تشاء بعد ذلك. ومسلسلات بهذا الطول، وبكلفة إنتاجية وتسويقية أقل، ومع ساعات البث الكاملة على الفضائيات العربية المتكاثرة... ستظلُّ بضاعة مرغوبة بعدما حققت شرط النجاح الجماهيري، وقد يدفع ذلك شركات أخرى إلى دخول المنافسة.


قناة مشفّرة… للقُبل!

إضافة إلى جمالية مشاهد التصوير ووسامة الأبطال، تعبّر الدراما التركية عن طريقة تفكير مجتمع شرقي قريب منّا. ويبقى هذا القرب أكبر من ذلك الذي يمكن أن يجمعنا بدراما أميركا اللاتينية.
من هنا، وبعد نجاح تجربة المسلسلات التركية، صرح وليد آل إبراهيم، رئيس مجلس إدارة mbc، قبل مدة، بأن الأسعار المبالغ فيها في الدراما المصرية، ستعني المزيد من التوجه إلى الدراما التركية. لكن ذلك سيمس بالدراما السورية أيضاً. فهي، وإن كانت توزع بأسعار أقل من الأعمال المصرية، لا يمكن مقارنتها بالأعمال المدبلجة التي تسرق منها أيضاً الاهتمام والمتابعة والدورات البرامجية. واللافت أن من يقومون بتقديم الأعمال التركية إلى المشاهد العربي هم الممثلون السوريون.
يذكر أخيراً أن مجموعة mbc أطلقت قناة جديدة، لكنها مشفرة، هي mbc plus لعرض حلقات من مسلسل «نور» من دون حذف المشاهد الحميمة التي يجري بترها في ما يعرض الآن من حلقات على mbc 4. ويستمرُّ بثّها حتى نهاية شهر آب (أغسطس) المقبل من خلال اتفاق مع «شو تايم أرابيا». كما سيتاح لمشاهدي هذه القناة متابعة الحلقات الستين الباقية قبل عرضها على mbc 4 وبفارق يوم واحد، كل ذلك في خطوة لمزيد من استثمار هذا المسلسل التركي الذي يحظى بشعبية كبيرة.