بيار أبي صعبكان عالم الروك وقتذاك يفتقد رموزه الكبرى: جيم موريسون وجيمي هندريكس وجانيس جوبلين. باتي صارت أيقونة، نموذجاً لفنّانة الروك الملتزمة. وهذه الصورة ما زالت تلازمها اليوم، على رغم قطيعة مع الفنّ استغرقت 16 عاماً، عاشت خلالها حداداً على أخيها تود، وزوجها عازف الغيتار فريد «سونيك» سميث الذي رحل في الرابعة والأربعين. صحيح أن الزمن تغيّر، لكنّ الصراع بقي نفسه بين قوى الاستبداد والشعوب المقهورة. بدلاً من الفيتنام، هناك غوانتانامو وبغداد و... قانا، هذه الجمرات التي تركت بصمات واضحة على أعمالها الأخيرة من (Trampin (2004 إلى (Twelve (2007.
الشاعرة التي ستفتتح الليلة الصيف العربي من «مهرجانات بيبلوس»، هي ابنة الستينيات المباركة في أميركا. في نيويورك التقت Mapplethorpe الذي كان ملهمها وحبيبها الأوّل قبل أن يعلن مثليّته، ويروح يلتقط تلك الصور التي صعقت مناضلات «النسويّة» في الولايات المتحدة... إلى أن جرفه مرض العصر. باتي سميث صوت أميركا الأخرى. صوت أميركا الحقيقي المنحاز للعدالة، بمعزل عن الانتماءات السياسية والدينيّة والإتنية والقوميّة. كل ذلك قالته لنا أمس، على طريقتها، خلال اللقاء الذي طلبت أن ينظّم لها مع الإعلام اللبناني. الفنّان لا يسعه أن يغيّر وحده ــــ قالت ـــ لكنّه يلهم الناس، ويدلّهم على طريق التغيير. وتروح تستشهد بـ «غيرنيكا» بيكاسو، بأغاني بوب ديلان، قبل أن تضيف: «أنا وقفت ضدّ الإدارة الأميركيّة، غنيت ضدّ الحرب على العراق. لكن ذلك لم يمنع جورج بوش من ارتكاب فظاعاته. ذلك أن الضمير الجماعي الأميركي بات مخدراً بعدما جرى في 11 أيلول». ودعت شباب اليوم إلى تحقيق ما يريدون، وقول ما يهمّهم قوله، من دون تنازلات لقيم المجتمع الاستهلاكي التي «انتفضنا ضدّها في شبابنا».
وروت Patti كيف لم تصدّق حين جاءتها رسالة مقتضبة من وكيل أعمالها: «أتريدين الغناء في لبنان؟». وكيف أرادت أن تحسم الأمر بسرعة، «خوفاً من أن يختفي العرض»! «نعم أنا سعيدة بكوني هنا (...) أشعر بإصرار الناس على الكفاح وتمسّكهم بالحياة». هي أيضاً كافحت بشجاعة لتجاوز مأساتها. الليلة ستؤدّي أيضاً أغنيتها عن مجزرة قانا: «الموتى يستلقون بأشكال غريبة/ دمى صغيرة رخوة/ مكسوّة محشوّة بالوحل/ صغيرة، صغيرة تلك الأيدي/ التي عُثر عليها في الطريق/ يتحدثون عن أهداف الحرب/ أية عبارة/ القنابل التي سقطت/ صناعة أميركية/ الشرق الأوسط الجديد/ تصرخ المرأة الـ «رايس» بحدّة». هذه هي باتي سميث: «الروك ليس بزنساً، بل صوت مهم يقول للناس ماذا يحدث في عالمنا (...) لست في بيبلوس لأقيم مجرّد استعراض. سأخاطب وجدان الناس، على إيقاع الليل، وسأندس في أعماقهم بمعزل عن حواجز اللغة». وأمسكت السيدة غيتارها وغنّت لنا، بصوتها الصباحيّ، أغنية عن الأمل (Grateful). ثم غصّت، ودمعت عيناها وهي تحاول أن تقول سعادتها بأول أغنية تؤدّيها في الأرض العربيّة.

Patti Smith: الليلة في «مهرجانات بيبلوس الدوليّة»، الساعة 8:30 للحجز: 09/542020 ــــــــــ www.byblosfestival.com