اللي في القلب في القلب يا كنيسة» يتمتم القسّ قبل أن يهتف مع الشيخ «يحيا الهلال مع الصليب». في «حسن ومرقص»، يسلِّط عادل إمام وعمر الشريف الضوء على الفتنة الطائفية، من دون اتخاذ موقف منها على قاعدة «نقلنا لكم ما يحدث في الشارع... والباقي عليكم»
محمد عبد الرحمن

أكثر المَشاهد التي أعجبت الجمهور في العرض الأول لفيلم «حسن ومرقص» لعادل إمام وعمر الشريف، كانت تلك التي يتحدث فيها «بعض» الأقباط عن المسلمين بشكل سيء، أو تلك التي ينتقد فيها المسلمون البعيدون عن المواطنة والتسامح، المساواة بين عنصري الأمة. وإعجاب الجمهور ناتجٌ من كون الجمل التي ردّدها الممثلون، يتناقلها الناس كل يوم في الشارع المصري. ذلك أن هناك فئة من المسلمين ترى أن المسيحيين قد نالوا حقوقهم كاملة، وأنه لا يوجد أي «متسوّل مسيحي» على حد قول أحد الشيوخ في الدقائق الأولى للشريط. فيما يردُّ قسيس في المشهد التالي بأن صعوبات إصلاح حمامات الكنائس ـــــ لا بنائها حتّى ـــــ تؤكد أن نظرة الدولة إلى المسيحيين لم تتغير. وعلى رغم الكلام المستمر عن الوحدة الوطنية، يبقى «اللي في القلب في القلب يا كنيسة» كما قال الممثل الذي أدى دور القسيس. وفي المشهد الذي يليه، يقفُ الشيخ مع القسيس في مؤتمر الوحدة الوطنية، ويهتفان: «يحيا الهلال مع الصليب»... باختصار، أراد «حسن ومرقص» أن يضيء على أزمة تعايش يجب الاعتراف بها علناً، وأن مصر أيام نجيب الريحاني وبديع خيري اللذين عملا معاً لثلاثين عاماً، من دون أن يعرف الأول أن الثاني مسلم... لم تعد كما كانت. بالتالي، لا يمكن التعامل مع حوادث الفتنة الطائفية التي كثرت أخيراً، على اعتبارها وقائع عابرة.
غير أن الفيلم الذي أعطى هامشاً واسعاً للكوميديا لم يقدّم أي حلول، كما استبعد دور الشرطة تماماً. إذ أدّى عزت أبو عوف دور رجل الأمن بشكل هزلي للغاية، وبدا واضحاً أن صانعي الشريط تفادوا دخول المناطق الشائكة حتى يمرّ المشروع بسلام. تماماً كما فعل عادل إمام مع مؤلف «حسن ومرقص» يوسف معاطي يوم قدّما «السفارة في العمارة». إذ لم يخرج الفيلم وقتها ليدين إسرائيل، إلا في المشهد الأخير بعد استشهاد طفل صغير. وقد ظل البطل آنذاك يسخر من المطبّعين ومن أعداء التطبيع، من دون تقديم موقف محدد. في «حسن ومرقص» أيضاً، أظهر الشريط كيف يتعامل المتشددون المسلمون بحذر مع أي مسيحي، وكيف يغضب المسيحي من صديقه إذا وافق على إسكان رجل مسلم معه في العقار. وفيما اندلعت الفتنة على الشاشة مرتين، انتهى الفيلم والأسرتان المسيحية والمسلمة تحاولان الصمود داخل معركة بين المسيحيّين والمسلمين حدثت فعلاً في الإسكندرية، ولكن من دون أن يتدخل أحد لإنهاء الصراع الدموي. وكأن عادل إمام وعمر الشريف يقولان للناس هذا ما تقرأون عنه في الصحف... نقلناه لكم على الشاشة والباقي عليكم.
ومع ذلك، حرص الشريط على التأكيد أن التعصب موجود داخل كل إنسان، حتى عند أكثر الأبطال تسامحاً: القس بولس والشيخ محمود. فعندما عرف البطلان الحقيقة في الدقائق الخمس الأخيرة، تبدلت النيّات قبل أن يندلع حريق يوحّد العائلتين مرة أخرى، بعيداً من الأديان. وهذا التعصب سيحدد مدى تقبل الجمهور للفيلم، فهناك من ضحك من قلبه على المواقف الكوميدية التي نتجت من دخول المسيحي للمسجد والمسلم للكنيسة بعد التنكر وإخفاء شخصيتيهما الحقيقيّتين. وهناك من رأى تطاولاً في أن يجلس عادل إمام متنكراً في زي شيخ مسلم ليرد على فتاوى البسطاء، أو يضطر عمر الشريف إلى تمثيل ترديده التراتيل أمام القساوسة.
وبعيداً من المضمون الشائك لـ «حسن ومرقص»، يظل الفيلم الذي يروي قصة هروب شيخ ولاهوتي من متشددين أقباط ومسلمين، حالة خاصة في إنتاجات السينما المصرية لعام 2008: هو الأول الذي يتعرض مباشرة للوحدة الوطنية، والأول الذي يجمع عادل إمام وعمر الشريف، والأول الذي يظهر فيه الممثل الكوميدي الشهير في دور رجل مسيحي. وقد وصل الأمر ببعضهم إلى انتقاده على ذلك على موقع «فايس بوك» بدعوى الترويج للديانة المسيحية. لكن رسالة الفيلم أجهضت ــــ من جانب هؤلاء ـــــ قبل أن يعرض.
الجديد أيضاً توزيع سيناريو الفيلم على النجوم والصحافيين قبل العرض الخاص الذي أقيم الخميس الماضي في دار الأوبرا. وقد اعتذر عمر الشريف عن الحضور، لانشغاله في التشيك. فيما أعلنت الشركة المنتجة «غود نيوز غروب» عن طبع 100 نسخة ليكون أكثر الأفلام انتشاراً في موسم الصيف حتى الآن.
وقد أدى توزيع السيناريو على الصحافيين إلى كشف ما جرى حذفه من مشاهد، إن كان من جانب الرقابة أو من جانب أسرة الفيلم. ومن أبرز المشاهد التي حُذفت: مشهدٌ بين محمد إمام وشيري عادل يتحدثان فيه عن نيتهما الذهاب إلى السينما، ويرشح الشاب فيلم «حين ميسرة»، شارحاً لها عن المشاهد الحميمة التي جمعت بين غادة عبد الرازق وسمية الخشاب، قائلاً: «الفيلم جامد جامد... وسمية مبدعة في الفيلم... لابسة بدلة رقص حكاية». لكن البطلين، في الصيغة النهائية، ذهبا لمشاهدة فيلم أجنبي رومانسي.
كما حُذف مشهد، يحاول فيه الضابط ضياء عبد الخالق تهدئة أهالي «المنيا» الثائرين بسبب اختفاء عادل إمام، ويُظهر المشهد عدم ثقة الناس بكلام الضابط. كذلك حُذف المشهد 121 كاملاً، وهو عبارة عن حوار بين عادل إمام وعمر الشريف. وفيه يقول بولس (عادل إمام) لعمر الشريف: «ده أنت كافر في اللعب»! ثم يتواصل الحديث عن رؤية المصريين للدين، وكيف أنه من المفروض أن يكون «الدين المعاملة... مش صلاة وصوم بس». وبين المشاهد التي اختفت على الشاشة أيضاً، مشهد التظاهرة التي يسير فيها المسيحي والمسلم رافعَين لافتة «الدين لله والوطن للجميع». علماً أن مشهد الافتتاح أيضاً حُذف، وكان عبارة عن رجلين مسيحي ومسلم يأكلان على عربة فول.
يذكر أخيراً أن «حسن ومرقص» الذي وقّعه المخرج رامي إمام، سيعيش المنافسة وحيداً أسبوعاً كاملاً قبل أن تستقبل دور العروض المصرية الأسبوع المقبل فيلم «حلم العمر» لحمادة هلال. وهناك أيضاً فيلم «آسف على الإزعاج» لنجم العامين الأخيرين أحمد حلمي... فهل يصمد شريط الوحدة أمام ضحكات حلمي التي تحولت إلى ماركة مسجلة؟ أم يقبل المصريون على الكوميديا الخالصة، تاركين شبح الفتنة الطائفية يهدد الوحدة، إنما خارج صالات العرض؟