strong>اعتقالات في السعودية، تعذيب في مصر، وملاحقات في تونس... وأخبار أخرى غير سارّة في «التقرير العالمي للنفاذ إلى المعلومات»: الدول العربية تصدّرت لائحة قمع الحريات وملاحقة المناضلين على الإنترنت... وكُلّ مَن تسوّل له نفسه المسّ بالسلطة
ليال حداد
لا يلبث موضوع التضييق على حرية المدوّنين أن يغيب، حتّى يعود ليظهر مجدداً وبزخم أكبر. إذ صدر أخيراً «التقرير العالمي للنفاذ إلى المعلومات» (جامعة واشنطن) World Information Access report، وقد خصّص قسماً للتوقيفات التي يتعرّض لها المدونون في العالم. ولا تبدو مفاجأة أن تحتلّ الدول العربية موقع الصدارة، لجهة ملاحقة المدوّنين واعتقالهم، إلى جانب دول شرق آسيا، وخصوصاً الصين.
وفيما لا يزال لبنان من أكثر الدول العربية انفتاحاً و«رأفةً» بمدوّنيه، إذ لم تسجّل ـ إلا في ما ندر ـ حالات حجب مدونات من الجهات الرسمية... تزدحم الدول العربية بأخبار منع وسجن مدونين، بتهمة بثّ أخبار كاذبة وقدح وذمّ للنظام الحاكم أو ببساطة أكبر «توجيه انتقاد إلى جلالة الملك وسيادة الرئيس».
في لبنان، لا يزال التدوين «هواية» يمارسها متصفّحو الشبكة العنكبوتية من دون أن تتحوّل إلى قوة ضاغطة لها دورها في التأثير على الرأي العام. إنما على العكس، أصبح القسم الأكبر منها مرآة للانقسام الطائفي الموجود على الساحة اللبنانية. إلا أنّ حدود الحرية تقف أيضاً في لبنان عند «المسّ بأهل السلطة». ولعلّ الدليل على ذلك هو التضييق الذي مورس على صاحب مدوّنة anti14march.blogspot.com بعد تصميمه لعبة عن اقتحام السرايا الحكومية عام 2007، والدعوة إلى اعتقاله واستدعائه للتحقيق. ما دفعه إلى إغلاق مدوّنته، خوفاً من الملاحقة القضائية.
ومن لبنان إلى تونس، حيث بدأت تعلو الأصوات المطالبة بفكّ الحصار عن المدونين وعن الصحافة الإلكترونية المعارضة. فمنذ عام 2006، وهي الفترة التي عرفت فيها تونس «طفرة» المدونات، تمّ حجب أكثر من عشرين مدونة، من خلال منعها في تونس أو توقيفها نهائياً، كما حصل مع مدوّنة «صحراء كلوب». أما مدونتا «مواطن تونسي» و“سمسوم» فقد جرى تغيير موقعيهما أكثر من ثلاث مرات. وفي كل مرة، كانت السلطات توقفهما، أو يقوم أحد القراصنة باختراق الموقع، حسب تقرير لـ“مرصد المدونين العرب».
ووضع المدوّنين لا يختلف كثيراً في المملكة العربية السعودية. ولعلّ إحدى أكبر قضايا اعتقال المدونين في العالم، انطلقت من جدة عام 2007، مع توقيف أشهر مدوّن سعودي هو فؤاد الفرحان، بطريقة غامضة، وذلك على أثر تحقيق لصحيفة «واشنطن بوست» عن التدوين في السعودية.
وفيما كانت الحجة المعلنة للتوقيف هي «انتهاك قوانين غير مرتبطة بأمن المملكة»، تعزو «واشنطن بوست» في أحد تحقيقاتها عن الفرحان أنّ اعتقاله يعود إلى انتقاده المساعدات السعودية للبنان في مؤتمر باريس ـ 3، فضلاً عن دعوته إلى إصلاحات اقتصادية في المملكة، كما أكد مدوّنون وإعلاميون سعوديون. وقد استمرّ اعتقال الفرحان أكثر من أربعة أشهر إلى أن أطلق سراحه بعد الضغط الإعلامي الذي واكب الحدث على الفضائيات العربية والعالمية. أما القصة الثانية التي ضاهت «شهرة» قضية الفرحان، فهي إثارة عدد من المدونات، ولا سيما «ماشي صحّ» و«رجل الحرية» لملف اعتقال عشرة مفكرين سعوديين بتهمة دعم الإرهاب، حسب «مرصد المدونين العرب» أيضاً. نفى المدونَان السعودِيَّان هذه التهمة، مؤكدين أن «تصرّف السلطة التعسفي» سببه قرب صدور مذكرة الإصلاح التي تطالب بتحويل نظام الحكم في السعودية إلى الملكية الدستورية. إلا أن هذه «الجرأة»، أجبرتهما في النهاية على التوقف عن التدوين، بسبب التضييق الذي مارسته السلطات عليهما.
هذا ليس كل شيء، ففي مصر، يسجّل «التقرير العالمي للنفاذ إلى المعلومات» أكثر من 12 حالة توقيف لمدونين منذ عام 2004، وحتى الربع الأوّل من العام الحالي. أما الأسباب، فتتنوّع بين المسّ بأمن الدولة من خلال التحريض على تحرّكات في الشارع، وانتقاد النظام السياسي وخرق الأعراف والتقاليد الثقافية المصرية.
ومثّلت أحداث إضراب 6 و7 نيسان (أبريل) الماضي الشرارة التي أشعلت حرب السلطة على المدونين، ذلك أنّ السلطات المصرية أقدمت، بين 5 و 7 نيسان (أبريل) الماضي، على اعتقال ثلاثة مدوّنين هم إسراء عبد الفتاح أحمد، ومحمد الشرقاوي وكريم البحيري، بتهمة «تجمهر مكوّن من أكثر من 5 أشخاص من شأنه تعريض السلم العام للخطر»، و«إتلاف منشآت عامة»، و«الاعتداء على رجال السلطات أثناء تأدية وظائفهم»، و“محاولة اقتحام بنوك». وهنا أيضاً تختلف أسباب التوقيف المعلنة عن تلك الحقيقة، وفق ما جاء في تقرير لـ «صحافيون بلا حدود». فاعتقال إسراء جاء نتيجة الدور الذي أدته في التعبئة «الإلكترونية» للمشاركة في إضراب 6 نيسان من خلال إحدى مجموعات «فايس بوك». أما البحيري، فيبدو أن مدونته الداعية إلى المشاركة بالإضراب ضدّ الغلاء قد أزعجت الجهات المعنية. فإذا به يُعتقل ويعذّب بالضرب والكهرباء، كما أورد تقرير «الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان».
وتتنوّع القصص التي يتداولها المدوّنون المصريون عما تعرّضوا له على أيدي سلطاتهم، إلا أن ذلك يزيد من التضييق عليهم، تماماً كما حصل مع المدوّن أحمد محسن محرّر مدونة «فتّح عينيك». وهو كشف عن عمليات التعذيب «الوحشي» التي تعرّض لها محمد جمعة الدهشوري، إذ توفي في سجن الفيوم بسبب الضرب والتنكيل.
وأخيراً، لم تجد السلطات السوريّة مشكلة عام 2007 في حجب مدونات أكثر من ثلاثة آلاف سوري، مشتركين على موقع «مكتوب»، بعدما منعت مدونات المشتركين على موقع blogspot. وعام 2007، كان حافلاً بانتهاكات واضحة للحريات «الإلكترونية» حيث جرى توقيف موقع «فايس بوك»، إضافةً إلى حجب النسخة العربية من الموسوعة الإلكترونية wikipedia. ومنذ أقل من أسبوعين، أرجأت محكمة أمن الدولة جلسة محاكمة المدوّن كريم عريجي، من منتدى «أخوية»، والمتّهم أيضاً «بالمسّ بهيبة الدولة».