أحمد الزعتري «ممكن حدا يغيّر الموسيقى؟». سألت الصبية أحد منظّمي حفلة إطلاق ألبوم «خارج مدينتي» للموسيقي الأردني كمال مسلّم الذي طرح أخيراً في عمّان. في ذاك الوقت، كان مسّلم يعزف على غيتاره الكهربائي بشغف، لجمهور منتشر على الطاولات يهمّه قضاء وقت ممتع لا تفسده الموسيقى التجريبية. ربما تكون هذه فعلاً مشكلة «الموسيقى البديلة»، في الأردن على الأقلّ. إذ تندرج ضمنها أي موسيقى لا تحمل خطّاً موسيقياً معروفاً وميلوديا واضحة.
هذه الموجة الموسيقية الحديثة والنخبوية بامتياز، لا تطرب ولا تجذب مستمعاً، عدا الموسيقيين أنفسهم ومتابعي الاتجاهات التجريبيّة والتيارات والمدارس الطليعية. وقد فشلت هذه الخلطة بالتحوّل إلى حركة حقيقية كان بمقدورها تجاوز الموسيقى البليدة التي لم تخرج عن اختراع أغاني الثمانينيات الأسطوري (لازمة، كوبليه، كوبليه أخرى... ولازمة يتغير شطرها الأول بمزاج المغني)... في بلد يعاني أزمة موسيقية حقيقية. وهو يكرّس جُلّ موسيقاه في التعبئة الوطنية التي تُطبخ على عجل بكلمات مثل «قمح، شمس، الوطن غالي».
بعد باكورته اللافتة «على ضفة نهر الأردن» (2003)، طرح كمال مسلّم (1970) ألبومه الثاني «خارج مدينتي» مع فرقته التي أنشأها العام الماضي مع اللبنانيين روني وإيلي عفيف. يضم الألبوم (إنتاج شركة مسلّم) 10 مقطوعات حملت عناوين مثل Rimma و lost but found again.
إلا أنّ «خارج مدينتي» طغى عليه همّ المزج بين الأنواع الموسيقية بتكلّف، ما أسقط مؤلفه في هفوة الابتعاد عن التأليف الموسيقي، لمصلحة الارتجال في قالب الجاز، الأمر الذي قد يستهوي أصحاب المزاج «الجازي»... لكنه لا يذهب أبعد من ذلك.
تبدأ المقطوعة الأولى «خارج مدينتي» بحس نوستالجي، من خلال تقطيعها بين آلات غربية وشرقية بتساوٍ بين الغيتار الكهربائي والترومبيت، والدربكة وآلة الإيقاع الهندية «الماردنغام»، وأصوات خلفية للموسيقي منير طرودي. بينما تتكرر لازمة واحدة بين كل ارتجال وآخر.
ويمكن في مقطوعة Blues for Elie، تمييز لمسات كمال، عازف العود البارع، على الغيتار في البداية. إلا أنّ استخدام غيتار البلوز كعود يفسد اللحن. المقطوعة التي حملت عنواناً شبيهاً بمقطوعة اللبناني توفيق فرّوخ Blues for Ali لا تقترب من الأخيرة إلاّ بتناص العنوان واغترابه.
وكذلك هي الحال في مقطوعة Local Sensation. إذ عجز مسلّم عن بلوغ خليط موسيقي متماسك. ولم يحظ الصوت الأثيري للمغنية مونيك هيبرارد الذي يذكّر بأغاني البلوز البيضاء في الأربعينيات، بمساحة تأليف معقولة. وبدا كأن صوت هيبرارد يتسابق مع الغيتار الذي كان يجب أن يتخطاه بامتدادات صوتية تعطي المقطوعة الحنين الذي تحتاج إليه. لكن ربما من المنصف القول إنّ Souvenir هي أكثر المقطوعات نجاحاً في الألبوم. إذ حافظ مسلّم فيها على بصمته في عمله الأول، ومنح الميلودي ثقلاً وعمقاً بالتناوب بين الغيتار والعود، ما منح العمل حساً خاصاً لا يشبه غيره. لكن ألن تكون إعادة «نسخ» الألبوم الأول أمراً سيئاً أيضاً؟ على اعتبار أن مسلّم أراد التجريب في منطقة جديدة بالاستناد إلى تجربته الأولى.
كم يعلق في ذهن المتلقي من مقطوعات هذا الألبوم؟ مقارنة بمقطوعات أصلية في الأول مثل When I Remember you التي حملت لذة أورغازمية مستمرة للجاز، وقد تآلف بذكاء مع إيقاع Swing Rock، ومع عود صعب ومسترخ في الوقت نفسه.
كان ممكناً أن نكون أقلّ قسوة لو كان هذا العمل الأوّل لمسلّم، ولاستقبلناه بشيء من التسامح والتفهّم... لكنّ الفنّان المقيم في دبي الذي يفرد هنا مساحة واسعة لشريكيه اللبنانيين في التأليف والعزف، بات مطالباً بتطوير مشروعه الموسيقي الذي بدأه بقوة. لقد حاول الوصول إلى «الجاز الشرقي»، ذاك النوع الموسيقي الذي اقترحه زياد الرحباني، ثم عاد وتنصّل منه بعدما أسيء استخدامه: «ليس هناك جاز شرقي ولا شيشاني». كما يحاول بلوغ أسلوب الـ Free Jazz. إلا أن هذه المحاولات لا تبرّر غياب البصمة الموسيقية الواضحة للمؤلف، تلك التي كانت قادرة على إعادة مسلّم إلى «مدينته» وإلى الموسيقى التي يحبّ... ونحبّ.