الرياض ــــ علاء اليوسفيهواة السينما في السعودية لم يستسلموا لليأس، بل يواصلون سعيهم لإحداث ثغر في جدار التحريم الديني والاجتماعي. هذا التحريم يعتبره أحمد الملّا، مدير مهرجان «أفلام سعودية»، العائق الأول أمام طموح الشباب، لنقل السينما من حيّز التجريب إلى فضاء أوسع من الاحترافية. ولا شك في أن مهرجانه، هو بهذا المعنى إنجاز بحدّ ذاته، أقيم بدم من... وزارة الثقافة. أخيراً أفلت المبدعون والمثقفون، والجمهور والهواة، من تسمية «عروض مرئية» التي تكتنف غالباً مسابقات الأفلام (والتعبير استخدم سابقاً للتحايل على السلطة الدينية وعدم استفزازها). وجاء مهرجان «أفلام سعودية» ليشكّل مغامرة برعاية وزارة الثقافة والإعلام التي نجحت منذ أشهر في إقامة أول مهرجان للمسرح ظل بعيداً عن اضطهاد السلفيين.
«أفلام سعودية» هو المهرجان الأول من نوعه في السعودية، نظّمه «نادي الدمام الأدبي» بالتعاون مع فرع جمعية الثقافة والفنون، وتميز بحضور نسائي بارز وإن ظلّ منفصلاً عن قاعة العرض الرئيسة التي ضمّت الرجال (!) كما أقيمت على هامش العروض، جلسات نقدية ومحاضرات حول واقع السينما السعودية وآفاقها... فهل نجحت «مغامرة» هواة الفن السابع في إحداث نقلة نوعية على طريق الحرية؟ وهل يؤسس هذا المهرجان لمرحلة جديدة؟
حتى الأمس القريب، كانت وزارة الثقافة والإعلام راضخة لسطوة الفتاوى الدينية، بينما أبقت الأبواب مشرعة أمام النوادي الأدبية التي تتيح أنظمتها الداخلية إقامة نشاطات سينمائية، من دون أن تسلم هي الأخرى من تجاوزات السلفيين متى استطاعوا تعطيلها. وعندما انبرى بعض الشباب سابقاً إلى مطالبة الوزارة بتأسيس جمعية للسينمائيين جاء الرد بأنّ «الوقت غير مناسب الآن». ولهذا السبب، اعتُبر «أفلام سعودية» بمثابة مغامرة، فهو يأتي برعاية الوزارة، ما قد يُفسّر على أنّه اعتراف رسمي بالنشاط السينمائي، وخطوة غير مسبوقة يمكن، إذا ما تكرّست، أن تفتح الباب على خطوات لاحقة. نكتب هذا الكلام، مع علمنا بأنّه من المبكر الحديث عن خطوة نهائيّة في هذا المجال، فما زالت ماثلة في الأذهان تجربة «مهرجان الكتاب» الذي تعرّض لنكسة هذا العام بعد انفتاح شهده في الأعوام السابقة.
مدير المهرجان أحمد الملا ــــ وإن تبنّى تعبير «المغامرة» ــــ إلا أنّه اعتبرها مغامرة في التوقيت المناسب، آملاً أن تتحول إلى حدث سنوي. هذه المغامرة، المتأخرة بعض الشيء، تأتي في غمرة الحديث عن أنّ صناع الأفلام السعوديين يحظون باهتمام في الخارج أكبر من الاهتمام الذي يحظون به داخل المملكة. وبأيّة حال، فإن الحركة السينمائية في السعودية لا تبدو في طريقها إلى التحول إلى صناعة على المدى المنظور. إضافة إلى الطوق الديني، هناك عوائق أخرى تحول دون تطورها، كغياب صالات العرض والمعاهد المتخصصة... من هنا، جاء اهتمام المهرجان بإقامة ورش عمل تطبيقية، وتنظيم ندوات نقدية ومحاضرات.
وقد تفاوتت العروض المقدّمة، لكنها، وإن بدت متواضعة مقارنة بالتجارب الشبابية العربية، إلا أنّ عدداً منها شارك في عدد من المهرجانات العربية. فيلم «بقايا طعام» لموسى الثنيان حاز جائزة أفضل فيلم روائي خليجي في مسابقة أفلام الإمارات، كما حاز فيلم «إطار» لعبد الله العياف جائزة لجنة التحكيم في المسابقة نفسها.
شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان «أفلام سعودية» 33 فيلماً، وعُرضت ثلاثة أفلام سعودية خارج المسابقة، وثلاثة أفلام للشخصيّة المكرّمة هذا العام وهو المخرج عبد الله المحيسن الذي يعتبر رائد السينما السعودية. وقد أخرج فيلمه الأول «اغتيال مدينة» الذي يدور حول الحرب الأهلية في بيروت عام 1976.
وعن فئة الأفلام الروائية، فاز موسى الثنيان بالمركز الأول عن فيلمه «بقايا طعام»، واحتل عبد الله العياف المرتبة الثانية عن فيلمه «مطر»، وجاء «بلا غمد» لبدر الحمود في المرتبة الثالثة. وعن فئة الأفلام الوثائقية، فاز فيلم «السينما 500 كلم» لعبد الله العياف في المركز الأول، و«الحقيقة» لأسامة الخريجي في المركز الثاني، و«خطر الإبل على السياقة الليلية» لناصر الدوسري في المركز الثالث. وقد ضمّت لجنة تحكيم الأفلام: أمين صالح رئيساً، وخالد ربيع السيد ومارك الخالدي وعبد الخالق الغانم (مخرج «طاش ما طاش»)، وفهد الأسطا.
باختصار، استطاعت إدارة المهرجان لجم اندفاع السلفيين الذين انبروا إلى مكان المهرجان يحضّون على التقوى وعلى تحريم هذه النشاطات، بينما أبدى المنظّمون ارتياحهم إلى أن الأمر اقتصر على الحوار وتبادل وجهات النظر. لكن المشكلة أتت من حيث لم يتوقّع أحد، فقد لجأ المخرج ممدوح سالم إلى وزارة الثقافة والإعلام، مطالباً بإنصافه مما اعتبره تجاوزاً لحقّه الأدبي في كونه أول من نظّم مهرجاناً سينمائياً في السعودية عندما أقام «مهرجان العروض المرئية» في جدة صيف 2006، ثم أتبعه بإقامة مسابقة الأفلام السعودية في دورة المهرجان الثانية الصيف الماضي. وقال سالم في الشكوى التي رفعها إلى إدارة حقوق المؤلف ــــ المعنية بحقوق الحماية الفكرية في الوزارة ــــ إنه يطالب باسم شركة «رواد ميديا» المنظّمة لمهرجان العروض المرئية ومسابقة الأفلام السعودية، بالحق المعنوي الذي يحفظ لهم الريادة حسب قوله.