بسّام الطيارةبعد «إذاعة الشرق»، جاء اليوم دور «مونت كارلو الدولية». ذلك أنّ الإذاعة الشهيرة التي تعد «صوت فرنسا» في الشرق الأوسط، تواجه عواصف عديدة، بعضها يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، وبعضها الآخر يندرج ضمن محاولات لـ«تأطير» الإعلام المرئي والمسموع الفرنسي الناطق باللغة العربية. وعلمت «الأخبار» أن نقابتين لصحافيي «مونت كارلو»، دعتا إلى إضراب يوم غد، يحمل أكثر من مطلب: من جهة، هناك مطالب عمالية ونقابية، ومن جهة أخرى ثمة احتجاج على الخط التحريري للإدارة. وهو خطٌّ يقسم الجسم الصحافي في الإذاعة إلى قسمين، عاكساً تبايناً في المواقف السياسية. وكان يمكن أن يتوقف التباين في الرأي عند حدود الإذاعة، لولا دخول بعض المواقع الإلكترونية والنشرات الإسرائيلية على الخط، وتسليطها الأضواء على شق التباين هذا، بغية الإساءة إلى الإذاعة الفرنسية الناطقة باللغة العربية.
ويبدو أن هذه المواقع تحاول الإفادة من خسارة شارل أندرلان، الصحافي في «فرانس 2»، دعوى التشهير التي رفعها ضدّ مَن اتهمه بفبركة صور مقتل الطفل الفلسطيني محمد الدرة (راجع «الأخبار»، عدد 29 أيار/ مايو 2008). على رغم أن المحكمة لم تحكم على حادثة مقتل محمد الدرة، بل ردّت طلب العطل والضرر، من دون أن تتدخل في التفاصيل الإعلامية للخبر.
وحتى زمن قريب، كان هذا النزاع بشأن «صوت فرنسا العربي» يتوقف عند أبواب الأقسام العربية لوسائل إعلامية فرنسية ناطقة بلغة الضاد، مع انتقاد شديد لها واتهامها بـ«الانحياز للطروحات العربية». إلا أنه مع اندلاع الانتفاضة الأولى والولوج في مسار مفاوضات «أوسلو»، تحركت خطوط التماس قليلاً إلى داخل هذه المؤسسات، وباتت الأصوات تعلو للمطالبة بألا «يكون صوت فرنسا فلسطينياً أكثر من الفلسطينيين».
وقد استندت صحيفة Actualité Juive Hebdo، إلى بيان صادر عن إحدى نقابات الإذاعة، لاتهام إدارة «مونت كارلو» بـ«التغاضي عن انحراف الخط التحريري». ونسب الموقع لصحافي عربي، وهو ممثل نقابي في الإذاعة، قوله إن هذا الخط يحمل «صدى عاماً مدموغاً بالدعاية الإسلامية»، وإن «الإذاعة لم تعد تعتمد على وكالات الأنباء مثل «أ ف ب» أو «رويترز» كمصادر لأخبارها، بل على موقع «الجزيرة» وبعض المواقع الإسلامية»!
وحملت «الأخبار» هذه التساؤلات وطرحتها على الصحافي المذكور، فشدد خلال إجابته على أن البعد الأول للإضراب هو «مطلبي»، مشيراً إلى «وعد قطعته الإذاعة لزيادة الأجور بنسبة ١،٢٥ في المئة». وهو ما تؤكده الإدارة التي تتحدث عن «تصفية حسابات بين النقابات». ثم يوضح هذا الصحافي أن الإضراب يهدف أيضاً إلى الاحتجاج على «الانتهاك اليومي لميثاق الشرف الذي يؤطر عمل صحافيي الإذاعة»، وخصوصاً أن «الميكرفون بات مفتوحاً للمتشددين».
في المقابل، ينفي زميل له الاتهامات التي توجه لـ«مونت كارلو» من جهات إسرائيلية تحارب «صوت فرنسا العربي» منذ قيامه. وعن اتهام الإذاعة بأنها «أصبحت منبراً للأصوليين»، يقول أحد المتابعين لعمل الإذاعات العربية إن «مونت كارلو» لم تخرج عن الأصول المتعارف عليها في المهنة، وأن «استقبال بعض الوجوه الشهيرة إعلامياً، حتى لو كانت متطرفة التوجه، هو ضرورة إعلامية». ويؤكد أحد العاملين في الإذاعة أن «مونت كارلو تقدم تغطية متوازنة لطرفي النزاع، وأن الأحداث تفرض المدعوين». يذكر أن البيان النقابي أخرج إلى العلن توتراً تعيشه الإذاعة منذ فترة، وهو لا يقتصر فقط على «توازن التوجه العربي الإسرائيلي»، بل يعكس أيضاً «تبايناً بين العرب أنفسهم كما هو حاصل في العالم العربي»، حسب تعبير أحد الزملاء. إلا أن بعضهم يتخوّف من أن تندرج أزمة «مونت كارلو» ضمن حملة تهدف إلى تقليص دور الإعلام «غير الناطق باللغة الفرنسية»، وخصوصاً أن ملف إعلام الدولة وسبل تمويلها قد فتح أخيراً. وكلنا يتذكر ما لمح إليه ساركوزي في إحدى خطبه بشأن «فرانس ٢٤»، وضرورة إلغاء قسم اللغة العربية فيها للتماثل مع cnn».