strong>المشروع نام طويلاً في الأدراج، وكادت الخلافات العائليّة والإنتاجيّة تقضي عليه. ثم جاء المنتج فراس إبراهيم وأنقذه. أسند إخراجه إلى التونسي شوقي الماجري المنكبّ حالياً على التصوير بين مشتل حلو في طرطوس وبيت العطّار في دمشق. هل يفلت مسلسل «أسمهان» من فخّ الاستعراض، ليقدم قراءة نقدية لسيرة المرأة الأسطورة؟
منار ديب
انطلق أخيراً تصوير مسلسل “أسمهان: أسطورة امرأة” من تأليف قمر الزمان علوش وممدوح الأطرش، سيناريو وحوار نبيل المالح، المعالجة الدرامية لبسيوني عثمان، إخراج شوقي الماجري، وإنتاج مؤسسة “فراس إبراهيم للإنتاج الفني”، و“فرح ميديا” (المنتج إسماعيل كتكت).
تؤدي النجمة سلاف فواخرجي دور أسمهان، والممثل المصري أحمد شاكر دور فريد الأطرش، فيما يجسّد فراس إبراهيم دور شقيقها فؤاد الأطرش، وعابد فهد (زوجها حسن الأطرش)، وعبد الحكيم قطيفان (والد أسمهان الأمير حسن الأطرش). ويشارك عدد من الممثلين العرب في العمل، فتجسّد اللبنانية ورد الخال دور علياء المنذر، والدة المطربة السورية، وفادي إبراهيم شخصية الملحن فريد غصن، فيما يحل الفنان المصري يوسف شعبان ضيفاً في دور حسنين باشا. أما طارق لطفي فيظهر في دور الصحافي محمد التابعي، وأحمد صيام (القصبجي)، وأحمد دياب (داود حسني)، وأحمد جمال (يوسف بيدروس)، وجمال يوسف (مدحت عاصم)، وأمل رزق (أمينة البارودي)، وغادة إبراهيم (ماري منصور).
المسلسل الذي يتواصل تصويره في سوريا، بدءاً من بلدة مشتى الحلو في محافظة طرطوس، وصولاً إلى بيت العطار في دمشق، وصل إلى المخرج التونسي شوقي الماجري بعدما تعاقب عليه مخرجون عديدون، بينهم المخرج السينمائي نبيل المالح (كاتب السيناريو)، وباسل الخطيب الذي آثر أن يتفرغ لمسلسله “جمال عبد الناصر” (يجري تصويره حالياً). لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما مدى قرب المخرج التونسي من الموضوع رغم كفاءته الفنية، وخصوصاً أن العمل لم يكن مشروعه الشخصي بالأساس؟ فشخصية كأسمهان لا تكفي للتعامل معها القدرة الحرفية، وحتى مع كون الماجري مخرجاً مثقفاً، نافذ البصيرة. إلا أن القراءة التلفزيونية المتقنة لشخصية إشكالية كأسمهان، قد تصنع عملاً يثير ضجة، مع الحرص على فرص عرض جيدة له، وبعد المصائر المعقّدة التي مرت بها محاولة إنجاز المسلسل، وبمشاركة نجوم من سوريا ومصر ولبنان ينهضون بأعبائه.
إنها حدود التلفزيون، فمعالجة حكاية أسمهان تتطلب الدخول في مناطق وعرة، كالثورة على التقاليد الاجتماعية، ووضع الولاء الوطني موضع التساؤل. وحتى مع إصرار الماجري على أن شخصية أسمهان ليس لها حصانة (راجع “الأخبار”، عدد 21 نيسان/ أبريل 2008 )، إلا أن التجارب السابقة في الدراما العربية في التعامل مع السيرة الذاتية لشخصيات تاريخية من أم كلثوم إلى نزار قباني مع تعدد صانعيها، تظهر ذلك الميل لتلميع تلك الشخصيات وتحميلها فوق طاقتها في كثير من الأحيان، وخصوصاً إذا جسّد الشخصيات نجوم محبوبون، وما تزال تجربة تيم حسن في “الملك فاروق” ماثلة في الأذهان.
في فيلم “فريدا” الذي يصوّر مسيرة الرسامة المكسيكية فريدا كالو (جسّدتها سلمى حايك)، نصادف في أحد المشاهد الأيقونة الثورية تروتسكي يمارس الجنس مع فريدا. أهمية مشهد مماثل في عمل ينتمي إلى السينما وفي سياق حضاري مختلف، يكمن في أن تروتسكي ينزل من عليائه ويصوّر كإنسان له نزواته ونزوعاته المختلفة. فهو يخون زوجته ويتجرد في الفيلم من رمزيته، فنراه عارياً يشبع شهوته كما يفعل البشر. فيما تحال الشخصيات التاريخية التي تعالجها السينما والدراما العربيتان على الفور إلى ما هو جماعي وعام ووطني. لقد تقاطعت في حياة المطربة أسمهان مصائر تاريخية لدول وشعوب، ومكّنها ظرف حياتها الفريد من أن تسهم في لعبة الأمم: وقفت عن كثب، بفعل خصوصية ما مثّلته، على ما يرسم للمنطقة، وكانت قريبة من مراكز صناعة القرار عبر علاقاتها الشخصية كفنانة وامرأة فاتنة، وكأميرة سليلة لأسرة كان لها دور مركزي في النضال الوطني ضد الاستعمار، وأيضاً كشخصية استخبارية لا تخفى علاقتها وعملها مع أجهزة أجنبية عدة، بغض النظر عن الدافع.
في كتابها “أسرار أسمهان” (صدرت ترجمته العربية عن دار المدى في عام 2007 )، تقدم الباحثة شريفة زهور قراءة نسوية لشخصية أسمهان. فحياة هذه المطربة هي سلسلة من التمرّدات، أوّلاً على النموذج الذي يعدّ سلفاً للمرأة الشرقية، (فعملها في الفن هو تمرّد، مع قدومها من بيئة محافظة). ثم مع أدائها لدور سياسي (وهذا شأن الرجال عادة)، وصولاً إلى حياتها الشخصية التي تميّزت بقدر كبير من التحرر حتى بمقاييس اليوم. فهي لم تكن المرأة الجميلة والغامضة، والفنانة الموهوبة التي يسعى الرجال من عليّة القوم إلى خطب ودها فحسب، بل كانت امرأة تعبّر عن رغباتها وتمارسها وتعيشها. ويظهر ذلك في سلوكها، وفي خطاب أغنياتها، على رغم أنه كان من صنع آخرين من ملحّنين وشعراء وهم رجال طبعاً. لكن الشحنة التعبيرية التي صنعت خلود هذا الصوت النادر تظهر إلى أي حد كانت المطربة السورية تعيش ما تغنّيه.
كلُّ هذه الحياة الصاخبة التي عاشتها أسمهان، تدفعنا إلى التساؤل: هل سينجح المسلسل في كشف الألغاز التي تحيط بالفنانة السورية حتى مماتها، أم سيكون مجرد عمل استعراضي؟


سلاف فواخرجي