خالد صاغيّةيطالب العماد ميشال عون بحقيبة المال التي يريد رئيس الحكومة فؤاد السنيورة أن يتولّاها بنفسه. الدافع وراء هذه المطالبة، كما أعلن عون نفسه، معرفة ماذا يجري في دهاليز هذه الوزارة، وخصوصاً أنّ الدين العام في لبنان وصل إلى حدود خمسة وأربعين مليار دولار. استخدام كلمة «دهاليز» في هذا السياق يوحي بأنّ داخل الوزارة ما يشبه مغارة علي بابا التي يتولّى النهب فيها أربعون حراميّاً يرتدون الشارات الزرقاء، ويضعون على صدورهم قلادة الرئيس الشهيد رفيق الحريري. الواقع أنّ الدهاليز والدَّين، في هذا السياق، هما الوجه الظاهر لجوهر الخطاب العونيّ القائم على شعار محاربة الفساد. والتيار الوطني الحر يعد أنّه، في حال تسلّمه هذه الحقيبة، سيقطع دابر السرقة، ويفضح ممارسات تيّار المستقبل الذي احتكر هذه الوزارة سنوات طوالاً.
في المقابل، يبدو تمسُّك رئيس الحكومة بوزارة المال هو أيضاً دفاعاً عن جوهر الخطاب الذي يحمله فؤاد السنيورة. فالرجل القادم من خارج النادي السياسي كان بحاجة إلى صورة يروّجها عن نفسه، وتداعب مخيّلة المواطنين. لقد أدّت الإدارة السيّئة لإميل لحود، ثمّ اغتيال الرئيس الحريري، إلى محو صورة السنيورة كجابي ضرائب ثقيل الظل. وابتدع المحبّون والأصحاب لقب «رجل الدولة»، وألبسوه للمصرفيّ الآتي إلى رئاسة الوزراء. فهو الذي «صمد» في السرايا الحكومية مدافعاً عن المؤسّسات في وجه «الغوغاء»، وهو الذي دافع عن فكرة احتكار الدولة للعنف، مؤيّداً نزع سلاح المقاومة. لم يعد بإمكان هذا الوجه من السنيورة أن يُستثمَر بعد ما جرى في بيروت، وبعد اتفاق الدوحة. وكان رئيس المجلس النيابي نبيه برّي ماكراً حين ذكّر في جلسة انتخاب العماد ميشال سليمان ببرنامج باريس 3. فالسنيورة ــــ2 سيتوجّه اهتمامه مجدّداً إلى الشؤون الاقتصاديّة، ليستحقّ لقبه كرجل دولة من هذا الباب.
لن يتنازل رئيس الحكومة عن وزارة المال، كما أوحى أمس الرئيس أمين الجميّل، إلا مكرهاً. فهي ما بقي له من «حبّ الحياة». وهي، بالمناسبة، النافذة التي بقيت لتيّار المستقبل إذا ما أراد أن يخرج من الصورة التي حشر نفسه فيها أخيراً، كتيّار سياسي ممثّل للطائفة السنّية و«مصالحها»، ليس إلا.
يعرف اللبنانيّون برنامج فؤاد السنيورة في الوزارة. وعليهم أن يخافوا ممّا يعرفونه. لكنّ ما لا يعرفه اللبنانيون هو برنامج التيار الوطني الحر في وزارة المال، وهم لا يعرفون شيئاً أصلاً عن البرنامج الاقتصادي لهذا التيار. يمكن التقاط بعض الإشارات المضيئة كإخفاء التيار للبرنامج الاقتصادي ــــ الفضيحة الذي أورده في كرّاس وُزّع خلال حملته الانتخابيّة. يمكن أيضاً التفاؤل ببعض الانتقادات للحريريّة التي ترد على لسان الجنرال، وكذلك بإبداء اهتمامه في بعض الخطب بلقمة عيش الفقراء من اللبنانيّين. لكنّ كلّ هذه الإشارات لم تتحوّل إلى رؤية اقتصادية لدى التيّار. وهي تكاد تضيع في ظلّ الترداد شبه اليوميّ لحكايات الفساد، والسرقة، والدهاليز. وكأنّ ما جناه تيار المستقبل على المستوى المعيشي للمواطنين هو نتيجة هدر من هنا، واختلاس من هناك، لا نتيجة سياسات اقتصادية محدّدة تتميّز برؤية شديدة اليمينيّة إلى الاقتصاد، تهمّش دور الدولة، وتخفّف الأعباء عن كاهل أصحاب الرساميل بحجّة مساهمتهم في تحفيز النموّ، وتوزّع تلك الأعباء على العامّة وذوي الدخل المحدود.
إنّ استمرار التيار الوطني الحر في تصوير سياسات الحريريّة القائمة على النهب المنظّم (والقانوني)، كما لو أنّها عمليّة مدّ يد على الخزينة، لا يفيد في شيء. ثمّة فارق كبير بين قلّة النزاهة وقلّة العدالة. إنّ الخطر الذي يمثّله رجل كفؤاد السنيورة في وزارة المال هو خطر كبير بالضبط لأنّ الرجل يجمع في شخصه صورةً ما من النزاهة، وإحساساً معدوماً بالعدالة.