بشير صفيرانتظرنا هذا العمل ستة أشهر، بعدما كان مقرّراً إصداره نهاية العام الماضي. وما إن حصلنا على لائحة الأغنيات التي سيتضمنّها قرص الـ«دي.في.دي» حتّى رحنا نتكهّن: هل نسيت، فبدّلت الكلمات في أغنية «اشتقتلك» وراحت توزع الأشواق على حساب الحب، كما في مهرجان «بيت الدين»؟ وماذا عن التوزيع الموسيقي؟ وخصوصاً في أغنيات زياد... كيف ستكون أغنية «يارا» هل ستأتي كاملةً كما في التسجيل القديم مع مقطع «الحلوة الحلواية تعبوا زنودها...»... ذاك المقطع الذي حذفه زياد ــــ لسوء الحظ ــــ في ألبوم «إلى عاصي»؟
لا أحد يعرف سرّ السحر الذي يجعل محبي السيدة فيروز سجناء هالتها الملائكية. صوتها؟ بالتأكيد، لكن هناك عنصراً جوهرياً أكبر من الصوت وأسرع من الضوء يصعقنا لمجرد ذكر اسمها. وهذا السر هو القوة التي أفقدتنا السيطرة على دموعنا المنهمرة من عيوننا ونحن ندوِّن ملاحظاتنا الموضوعية عند مشاهدة الـ«دي.في.دي» الصادر حديثاً، والذي حوى إحدى حفلات فيروز في الجامعة الأميركية في دبي (آذار/مارس 2001).
نعم، الحفلة ليست ممتازة والملاحظات عليها كثيرة، على رغم تألق فيروز في حضورها. إذ بدت مشرقة، لعوباً، كفتاة بعمر المراهقة. أمّا أبرز نقاط الضعف فتمثلت في غياب النحاسيات عن الفرقة الموسيقية التي تألفت من معظم الآلات المطلوبة (وتريات على أنواعها، إيقاعات شرقية ودرامز، بيانو، ناي، كلارينت، أكورديون)... إضافة إلى كورس من عشرة مغنين، جميعهم بقيادة كارن درغاريان الذي يعرفه اللبنانيون من حفلات فيروز في بيت الدين. وغياب هذه العائلة الأساسية عن بعض المحطات (وخصوصاً في «اشتقتلك»، «رابسودي» من مسرحية «نزل السرور»، «كيفك إنت؟»...) أضعف النسيج الموسيقي، وشوّه جو الحفلة العام لناحية النكهة الصوتية. وخصوصاً أنّه لم يجرِ توليف ما هو مكتوب لها في الأساس، لتعزفه آلات أخرى حاضرة، من شأنها أن تلطّف الضرر (كالكلارينت مثلاً). وهنا نستثني ما حاول البيانو (خضر بدران الذي حلّ محلّ زياد) التعويض عنه، تحديداً في «اشتقتلك» والـ«رابسودي».
من جهة أخرى، تنوّع البرنامج بين كلاسيكيات الرحبانية مثل «شادي»، «وقف يا أسمر»، «آخر أيام الصيفية»، «مراكبنا»، «ردّني إلى بلادي»، «نحنا والقمر جيران» (المحطة الأجمل موسيقياً، بفضل توزيع أصوات الكورس)... بالإضافة إلى «قلتيلي تاركتك» و«الوداع» لزياد الرحباني و«أهواك» لزكي ناصيف، و«ليليّة بترجع يا ليل» لفيلمون وهبة (كلمات الرحابنة)... وكل ما آنف ذكره. ولكن في المقابل، غاب الجديد تماماً! كما شابَ العمل الذي أخرجته ريما الرحباني، خللٌ في التصوير (في الحفلة فقط، لا في الوثائقي)، إذ كانت الكاميرات تعلو وتهبط وترصد هذه الزاوية أو تلك بدلاً من التركيز على الموسيقيين بشكل إفرادي (كما في «دا كابّو» حفلة زياد الرحباني في أبو ظبي ــــ 2005). هكذا شابَهَ هذا العمل «دي.في.دي» حفلة «لاس فيغاس» عام 1999 (صدر عام 2002)، وذلك لناحية الإخراج والبرنامج والتوزيع الموسيقي، وإن حضرت النحاسيات آنذاك (بشكل ضعيف نسبة لحفلات بيت الدين). أما الوثائقي الممتع بعنوان «مِن الأوَّل» فنرى فيه فيروز والفرقة في الكواليس وخلال التمارين. من ناحية أخرى، وردت أسماء جميع المشاركين في العمل داخل الكتيِّب باستثناء عازف البزق... «المعتّر بكل الأرض دايماً هوي ذاتو»، فتحية إلى زورو يوسف.
باختصار، حضرت الوتريّات هنا وغابت (الغربية منها) في «دا كابو»، والعكس صحيح بالنسبة إلى النحاسيات. إذاً نحن نريد «دي.في.دي» بيت الدين ــــ 2003 الذي يجمع بين الاثنين ويقدم جديداً أيضاً... وإذا صدر سوف نشاهده ونشاهده... «ونعيدُه من أوَّلُه».