لا تطرق الأبواب سعياً وراء أدوار، ولا تبدي لهفةً لمزيد من الأضواء... بعد عامين من الغياب، تعود إلى الدراما المحلية مع خماسية لمروان نجار، تناقش خطف الأطفال. أمّا جديدها على الخشبة، فمسرحية تحضَّر على نار هادئة، ويخرجها زوجها عصام بو خالد
باسم الحكيم

تغيب برناديت حديب عن الشاشة الصغيرة منذ سنوات، وتكرّسُ كامل وقتها للمسرح والعائلة. ولولا حلقات قليلة من «الحل بإيدك» للكاتب شكري أنيس فاخوري والمخرج سمير حبشي في العامين الأخيرين ومشاركة في «فادي وراضي» لجورج خباز، لأمكن القول إنها غائبة تماماً عن الدراما منذ الكوميديا الانتقاديّة «يا غافل إلك الله» (كتابة محمد النابلسي وإخراج غابي سعد) مع الفنان أحمد الزين. لا تسقط الممثلة السمراء العمل التلفزيوني من حساباتها، غير أنها تضعه في المرتبة الثالثة، فالأولوية للمسرح ثم للسينما. هذه الممثلة التي حصدت شهرتها في لبنان والعالم العربي مع فيلم «لما حكيت مريم» لأسد فولدكار، وحصدت عنه جوائز عدّة في مهرجانات عربيّة وعالميّة، تجدُ متعتها على الخشبة. إذ أدت عشرات الأدوار، التي بدأتها مع المخرج روجيه عسّاف في «العصافير»، ثم أكملتها مع زوجها المخرج عصام بو خالد والمخرجة سهام ناصر والمخرج رئيف كرم. وبعد هجرها الطوعي للتلفزيون، ها هي تطلُّ قريباً في خماسيّة «أم الصبي» من مجموعة «مفقودين» للكاتب مروان نجّار والمخرجة ليليان البستاني وإنتاج MGN، وتعرضه قناة «المستقبل» في الخريف المقبل.
لم تكن بداية برناديت حديب في الدراما اللبنانيّة. وإذا كانت العادة أن ينطلق الممثل من بلده قبل أن يشارك في الدراما العربيّة، فهي قلبت المعادلة. إذ شاركت في منتصف التسعينيات في المسلسل الكويتي «حوش المصاطب» مع الممثلين المخضرمين عبد العزيز المنصور ومحمد المنصور وجاسم النبهان وكنعان حمد، وبمشاركة عبد المجيد مجذوب من لبنان، ومنى واصف من سوريا. بعد ذلك، شاركت دريد لحّام بطولة الكوميديا الاجتماعيّة «عودة غوّار»، بعدما سبق لها الوقوف إلى جانبه في مسرحيتين هما «العصفورة السعيدة» و“صانع المطر».
تعزو حديب غيابها عن الدراما العربيّة بالكامل اليوم إلى الظروف: «كان عليّ إكمال دراستي في الجامعة اللبنانيّة، إذ قررت التوقف لعامين ثم العودة من جديد، وهذا ما حصل فعلاً. أضف إلى ذلك، أنني لست من الممثلين الذين يطرقون الأبواب سعياً وراء أدوار، بل أنتظر أن يتصل بي المخرجين ليعرضوا علي أدواراً يجدونني ملائمة لها. كما أنني متفرّغة لحياتي الخاصة ولا أملك حياة اجتماعيّة مع ممثلين ومخرجين وكتّاب ومنتجين».
تدرك حديب أن التلفزيون هو بوابة على الشهرة والأضواء، لكن ذلك ليس كافياً بالنسبة إليها لتكثيف حضورها فيه: «لا أرغب في أن أستهلك نفسي تلفزيونياً، فإذا لم يترك العمل الذي سأطل فيه بصمة عند الجمهور، أفضل عدم المشاركة فيه. أرفض أن أكون رقماً إضافياً على لائحة الممثلين والممثلات في لبنان والعالم العربي، ولا سيّما أنني لا أرى وفرة من الأعمال القيّمة، إذ معظم ما يعرض بنظري هو دون المستوى المطلوب». لا تدعي بأن العروض الدرامية العربيّة تأتيها من كل حدب وصوب، «فالعروض قليلة، وتضطرني ظروفي العائلية وطفلي الذي بلغ العام تقريباً، إلى الاعتذار عنها، لأنني لست قادرة على السفر وكثرة التنقّل».
وبعد ثلاثة أسابيع من التصوير، أنهت برنا تصوير مشاهدها الأخيرة في خماسيّة «أم الصبي»، مع مجموعة من الممثلين بينهم بيار داغر، جهاد الأندري، كمال الحلو، وداد جبّور وختام اللحّام، والوجهان الجديدان جورج مطر ورنا مفرّج. هنا، تبدو القصّة مأساويّة، فهي تؤدي شخصيّة امرأة في نهاية العقد الثالث من العمر، فقدت ابنها في ظروف غامضة، ولم تفقد الأمل في إيجاده على رغم مرور أحد عشر عاماً على غيابه. وتشرح بأن «ظاهرة خطف الأولاد منتشرة في كل أنحاء العالم. وإذا كانت مأساة هذه المرأة قد بدأت منذ لحظة اختطاف ابنها (جورج مطر)، فهي لن تنتهي بالعثور عليه، لأنها ستعاني مرّة أخرى رفضه للواقع الجديد الذي فرض عليه». وتضيف شارحة: «هناك نماذج عدّة في مجتمعنا، تفقد الأمل بعد مرور عامين أو ثلاثة أعوام على غياب الابن، وهذا ما فعله زوجها الذي عاد لممارسة حياته العادية مع ابنته، بينما باتت حياتها هي هامشيّة ليكون همها الأول والأخير إيجاد ابنها المفقود». وتنفي حديب أي ارتباط لهذه القصّة بأحداث الحرب اللبنانيّة، «نحن نقدم قصّة اجتماعيّة، في إطار الصراع بين الخير والشر». وترى أن «معالجة مروان نجّار للقصّة ورسمه لشخصيّة هذه المرأة، جاءا حسّاسين وجميلين وبعيدين عن مظاهر الكآبة التي يخشى أن تنفّر المشاهد من متابعة العمل، كما تحمل الشخصيّة أحاسيس وانفعالات متناقضة من غضب وحب وحزن وحقد ووحدة».
ليست هذه المرّة الأولى التي تتعامل فيها حديب مع الكاتب مروان نجّار، ففي نهاية التسعينيات، شاركت في مسلسل «مواسم خير»، ثم في حلقات متفرّقة من مجموعة «طالبين القرب». إضافةً إلى حلقة يتيمة من الكوميديا الاجتماعيّة «حرّيف وظريف» مع وليم حسواني. حين تسألها عن نص نجّار، صاحب الأسلوب الخاص في صياغة النصوص والحوارات، تنقذ نفسها بإجابة دبلوماسيّة وذكية. وتقول: «نصه من أصعب النصوص التي يؤديها الممثل، فإذا كانت باللغة الفصحى تنساب الجمل الأدبيّة تلقائيّاً. وإذا كانت بالعامية، يأتي النص مركّباً، لكونه يجمع العامية التي يستخدمها الناس في يومياتهم، مطعّمة بعبارات أدبيّة. ولا أجد أن هذا خطأ، إنما أرى فيه جهداً إضافيّاً يقع على عاتق الممثل. هذا الأخير عليه أن يضاعف جهده، كي يوصل هذا النص بسلاسة إلى الجمهور». وتثني حديب على المخرجة ليليان البستاني في اللقاء الأول معها، «لكونها سريعة في العمل وليست من المخرجين الذين يزعجون الممثل ببطئهم وكثرة الإعادات». كما تثني على أداء الوجه الشاب جورج مطر في أول دور تمثيلي له.
وبعيداً من التلفزيون، عادت برناديب حديب أخيراً من باريس حيث عرضت مسرحيّة «أرخبيل» التي تتقاسم بطولتها مع روجيه عسّاف وبشارة عطا الله وسوسن بو خالد، وأخرجها عصام بو خالد. هي تصوّر لبنان بعد الحرب، وتضيء على ثلاثة أموات أحدهم أعمى والثاني أصم والثالثة خرساء. حين يقصدهم طفل أنبوب تدبّ فيه الحياة، يبث فيهم الحياة والأمل، فيقرّرون العودة إلى الأرض». أمّا اليوم، فتتحضّر لبروفات مسرحيّة جديدة، يشاركها في بطولتها الممثل الشاب سعيد سرحال ويخرجها عصام بو خالد، مشيرة إلى «أننا في كل مرّة نقرّر البدء، تمنعنا الظروف الأمنية»، وتتوقع أن يكون موعد العرض في مطلع الخريف المقبل.
تعرب برناديت حديب عن قناعتها بالأعمال التي قدّمتها حتى اليوم رغم قلتها. ليست متلهفة لمزيد من الأضواء في التلفزيون، «فإذا أتاني عمل يرضيني كان به. وإلا، فلست مستعجلة ما دمت سعيدة بما أقدمه على المسرح».


لمّا حكيت برنا

شاءت الظروف الأمنية في البلاد أن يؤجّل عرض فيلم «المشهد الأخير» (كتابة جوزف أبو دامش وإخراج غسّان أسطفان)، إلى مطلع عام 2007. شكّل هذا العمل ثانية تجارب برناديب حديب مع السينما بعد الفيلم الناجح «لما حكيت مريم» للمخرج أسد فولادكار.
عند سؤالها عن سبب عدم إقبال الجمهور على الفيلم، تفضّل حديب ألا تعطي حكماً سلباً أو إيجاباً، «لأنني لم أتمكن من مشاهدته عند عرضه في الصالات بسبب ظروف شخصيّة».
لا تشبه برنا في «المشهد الأخير»، مريم في «لما حكيت مريم». لم تؤثّر الشخصيّة ولم تحقق اللمعة. هنا، تتذكر ظروف التصوير والأسباب التي دفعتها لقبول العمل. تقول: «ما حمّسني للفيلم، هو طرحه مواضيع حسّاسة وجريئة»، لافتة إلى أن «لما حكيت مريم»، «كان يصوّر واقع مريم وحياتها. أما هذا الفيلم فيعتمد البطولة الجماعية... وبينما كانت مريم زوجة تعيش معاناتها، تجد «برنا» فتاة مجتمع تحلم بالزواج وبحياة عاديّة». تعترف بأن الدور كان بسيطاً جداً ومن دون تعقيدات، ومع هذا «وصلتني عنه أصداء طيّبة». تحاول وضع حد للمقارنات والتأويلات، فتوضح أن «فيلم «لما حكيت مريم» دار على المهرجانات قبل وصوله إلى الصالات، كما أرفق بدعاية كافية. ومع ذلك، بدأت عروضه خفيفة إلى أن زحف الجمهور دفعة واحدة لما حكي عن الفيلم. وللأسف، لم تتح هذه الفرصة لـ«المشهد الأخير»، وعندما عرف به الجمهور، مرّت البلاد بخضّات أمنيّة متكررة، فسحب فوراً من الصالات، كما أن قلة المشاهدة ربّما تعود إلى جرأة الموضوعات المطروحة».
على رغم كل شيء، تعرب برناديت حديب عن إعجابها بعمل المخرج غسّان أسطفان، «الذي يعرف معاناة الممثل أكثر من أي مخرج آخر. ولأنه ممثل بالدرجة الأولى، فهو يحرص على إدارة الممثل، في وقت بات معظم المخرجين في لبنان يهتمون فقط بتقطيع الكادرات، ويقع على عاتق الممثل عبء دراسة النص والشخصيّة».