صباح أيوبالفيلم الذي بدأ من «مقبرة الغرباء»، في ضواحي طرابلس، حيث دفنت 64 جثة مجهولة من مقاتلي «فتح الإسلام»، صوّر درجات البؤس التي يعيش فيها سكّان تلك «الأحزمة» التي تحيط بالمدينة الشمالية. «هنا عاش شهاب القدّور» (أبو هريرة)، وهنا نشأ صدّام ديب. تنطلق مقلّد من سيرة المقاتلين اللبنانيين من «فتح الإسلام»، وروايات ذويهم عنهم، ثم تتوقّف هنا. أما الأعضاء الباقون من المقاتلين اللبنانيين والأجانب، فلا نعرف عنهم شيئاً: من هم؟ من أين جاؤوا؟ أين تدرّبوا؟ ما أهدافهم؟ من يموّلهم؟ ربّما لم يكن هؤلاء «الجنود المجهولون» يعيشون «معاناة أبناء أحزمة الفقر» التي وصفها الفيلم بـ«مناطق أرادها الوجود السوري خزّاناً للتوتر واحتياطاً يمكن استخدامه في أي وقت». لكن، أليسوا عنصراً مهماً في مأساة «البارد»؟
يتنقّل الشريط بين مخيمات «عين الحلوة» و«برج البراجنة» و«البداوي» و«البارد»، مقتفياً أثر عناصر التنظيم. ويضمّ شهادات من قياديي الفصائل الفلسطينية والحركات الإسلامية التي واكبت الـ«وافدين الجدد»، وقد نفت بمعظمها «أي علم» بوجود «فتح الإسلام» في بداياته. بطبيعة الحال، سوريا حاضرة بشكل أساسي في مختلف مراحل الشريط، ويبني الوثائقي قراءته على الرواية التي تحصر إشكاليّة هذا التنظيم بعلاقة النظام السوري واستخباراته في نشأته وتصديره إلى لبنان.
أما استعادة حوادث نهر البارد، فتفتقر إلى أيّة شهادة من سكان المخيم، أو أي شرح عسكري من قيادة الجيش اللبناني الذي خاض المعركة ضد «فتح الإسلام». وقد جاءت التوضيحات والروايات الأمنية الـ«بطولية»، على لسان المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي دون سواه، علماً بأن المذكور اكتفى ــــ بدلاً من الوثائق والمعلومات الخاصة ــــ بآرائه السياسية وتحليلاته وقناعاته الشخصية.
جالت الكاميرا في إحدى مدارس مخيمات الشمال، لتطمئننا إلى أن أولاد المخيّم يتلقّون تعاليم دينية إسلامية، قائمة على الاعتدال والتسامح. ثم لحق الشريط في ختامه بأولاد «أبي هريرة» في «عين الحلوة»، وبدا متفهّماً لظروفهم قلقاً على مستقبلهم... لكننا لم نتقدّم كثيراً في اختراق أسرار هذه المجموعة الغامضة التي هزّت أركان الجمهوريّة أشهراً، وخططت أطراف غامضة، لاستغلالها ــــ بأشكال مختلفة ــــ في الصراع السياسي اللبناني. فشريط «فتح الإسلام، مسيرة الغرباء»، اكتفى باستعادة روايات مكرّرة وشهادات «معلّبة» عن التنظيم المذكور. فبقي الغرباء غرباءً، وكُرّس الأبطال أبطالاً. والحقائق... في المرّة المقبلة.