محمد خيرلم يجد محمد عبد النبي مصطلحاً مناسباً أكثر من «متتالية قصصية» لتوصيف عمله الجديد «بعد أن يخرج الأمير للصيد» («دار ميريت» ــــ القاهرة). إذ إنّ حكاياته أكثر اتصالاً من قصص متفرقة، لكنها أقل ارتباطاً من فصول رواية. يجمع بين الحكايات كلّها بطل واحد، لا يبدأ من نقطة وينتهي في أخرى، بل يأخذنا في رحلة تسكّع داخل الذات، عبر ست محطات، عبر رحلة تتخبط في دغل الذكريات والألم والهوس، الرغبات المحرمة واليأس الذي يبدو عدمياً. لكنه يكشف عن تمسك بالحياة، وبالحلم بوصفه حلماً في حد ذاته. أمّا بطل هذه القصص، فهو فؤاد الأمير. هو ليس أميراً حقاً لكنّه لقب منحه لنفسه لأنه يستحقّه «لست مضطراً لإثبات ذلك لكم على أي نحو». وإن أعلن تفسيراً محتملاً، كي يتميّز عن «الأفئدة» الأخرى. اللعب على اللفظة هنا ليس عابراً بل هو لعب لفظي ولغوي يستمر طوال الحكي، أحياناً باستخدام لغة فلكلورية أقرب إلى الإنشاد الصوفي وتعويذات السحر القديم، فتتدفق الكلمات والعبارات بلا فواصل «كلا تعال عليّ يا كوّاء فأنا عليل وكلّي عذابات، تعال هات ميسمك على جسمي وابصم بالحديد والنار»، لكن مثل تلك العبارات لا ترد إلا في مقاطع قليلة، بالطبع، في الكتاب. لكنّ استخدام اللغة يتبدّى في عبارات تلعب في المنطقة بين النثر والشعر، وتتحيّن الفرص بين لمحات الدراما لتلقي للقارئ بعض لمحات التأمل الذاتية. فها هي المرأة التي قررت تبنّي فؤاد تمنحه الهدايا وتشتري له أدوات الرسم، فيدعو لها بالشفاء هي وأقاربها المرضى ولكن «ياااه، كم من دعاء كاذب صعد في سماء الدنيا!». وها هو فؤاد في حجرته الأرضية في بيت العائلة القديم. هي الحجرة التي لم يستطع هجرها تماماً، بسبب «مرض الحنين السافل الذي حاربته طوال عمري بالاندغام في تيار اللحظة الحاضرة». ها هو إذاً يتمدد في أرضية حجرته وحيداً موسوساً لنفسه بلا صوت، مكتشفاً أن «حجرة الجسد لا تتسع إلا لواحد هو الجميع ويبقى الآخر شطحاً، خرافة، انعكاساً في مرآة مسطحة». كم من أسئلة يطلقها فؤاد بينه وبين نفسه، وبين أصدقائه من دون رد شاف، عن طوفان الحب الخرافي الذي يتحوّل إلى عادة حميدة مثل تمارين الصباح. لم يكن غريباً إذاً أن يبحث في صفحة سابقة عن «خيبات جاهزة من أجل مَن لا يمتلك وقتاً كافياً للدخول في التجربة».