فنانون شباب يقدّمون أعمالهم «الطازجة» تحت عنوان Freshly Squeezed، مستعيرين مفردات بصريّة من زمن «الهيبيز»، أعيد انتاجها عبر وسائط الاتصال والتقنيات الحديثة. المعرض تحتضنه عمّان التي باتت تشهد فورة لافتة في مجال الفنّ المعاصر
أحمد الزعتري

في الستينيات، أفرزت حركة «الهيبيز» أشكال تعبير فنية مختلفة، مثل الرسم على الجدران والغرافيتي... وصولاً إلى لوغو السلام الشهير. اليوم، على مسافة سنوات ضوئيّة من تلك المرحلة، بمفاهيمها الطوباويّة وأساليبها الثورية، بدأت تظهر حركات خجولة تعيد إنتاج هذه الأنواع الفنية بمحاكاة مع العصر وبأدواته. وفي هذا السياق، يندرج معرض Jordanian Art: Freshly Squeezed (الفن الأردني: عُصِر حديثاً) الذي تستضيفهForesight Art Gallery في عمان، حتى 28 الشهر الحالي، ويضمّ مشاريع 8 فنانين شباب، معظمهم يعرض أعماله للمرة الأولى.
خلال إقامته في لندن، تجوّل منظّم المعرض بشار علاء على المعارض الفنية، ولاحظ الاختلاف بين ما يقدّمه الفنانون هناك وما يُقدّم هنا. «غالبية الأنواع الفنية التي تعرض عندنا، تنحصر في الرسم والتصوير». لذا قام علاء الدين بدعوة العديد من مصممي الغرافيك والمصوّرين والمهتمين بالفن المعاصر إلى عرض أعمالهم التي تنتهي عادةً على صفحات مجلة كدعاية أو تصميم لصفحة مقال أو باب فيها.
إذا كان لا بدّ من قاسم مشترك بين الأعمال المعروضة، فهو تصوير الجحيم الحديث الذي يتخبّط فيه مجتمع الاستهلاك المعاصر، وانعكاسات التطوّر التكنولوجي على كل شبر من حياتنا. ويمكن ملاحظة سخرية سوداء في أعمال تناولت الأثر التجاري والاستهلاكي على مجتمعاتنا: في زاوية لافتة لنسرين الصالح، تفاجئ هذه الفنانة الزائر بدءاً من سيرتها القصيرة التي أوردتها في بوستر المعرض. إذ تقول إنّها تحلم بأن تعيد بيع أحلامنا إلينا، وأن تطوّق مدينتنا بالإعلانات. وتبرر الصالح ذلك بأنّ عملها الحالي، مصممة إعلانات، يتعارض مع أخلاقيّاتها. وبالتالي، هي تترك الأثر التجاري يتسلّل إلى أعمالها لتقبض عليه وتشوّهه كمَن يريد الانتقام. تحتوي زاوية هذه الفنانة على أعمال كولاج. إذ تقوم الصالح بالشغل على صورتها الشخصية، من خلال تركيب أعضاء مصنوعة من الورق مكان الأعضاء الأصلية. بينما تتعمّد ــــ في عمل آخر ــــ اللعب على الكلام والمخيّلة التجارية للإعلان، كما هي الحال في عمل يُظهِرُ التفاحة المقضومة الشهيرة لشركة «آبل» وإلى جانبها أخرى مكتملة، وتحتها عبارة «أتشتريها لتحصل على المنتج أم العلامة التجارية؟». وهناك عمل تركيبي كامل يتكوّن من دمية «ميتة» على الأرض، ملفوفة بشريط أحمر، وإلى جانبها الأدلة التي أدت إلى موتها: كالنظر إلى عارضات الأزياء في المجلات بأوزانهن المثالية، والوجبات السريعة، والتدخين، والإعلانات التي تشجّع على الاستهلاك. إلى جانب إعلانات تجريدية «افتراضية» تطلب «عبيداً» من بلاد العالم الثالث مستعدّين للتعرض للإساءة والإهانة.
أما في زاوية فريدون أبده، فالسخرية أخفّ... والجدية أيضاً. عندما تقف أمام لوحة من لوحاته، يقترب منك شاب ممتلئ الجسم يرتدي شورتاً و«تي شيرت» صفراء ويروح يتحدث معك عن لوحاته. «أنا Simple» يقول أبده مستطرداً «لست بسيطاً، بل شخص يسهل التعامل معه». يتحدّث أبده مع الزائر بودّ، شارحاً مغزى تكرّر ألوان أساسية في اللوحة كالأحمر، والأزرق والأسود بطريقة تخلو من التنظير، ومبرراً سبب عرض أعمال منذورة بالكامل للتصميم الغرافيكي، رغم أنّه مصور فوتوغرافي: «هنا أستطيع التحكم في المواد، بينما أشعر في التصوير بثقل انتظار اللحظة المناسبة». تعتمد لوحات أبده على تكرار الأشكال الهندسية والمنتظمة، في عوالم تتكوّن من سفن ضخمة وحنفية ينزل منها الماء. في إحدى اللوحات، تظهر أسماك كبيرة تأكل أخرى أصغر، وهذه بدورها تأكل أسماكاً أصغر منها...
الزوايا الأخرى تتضمّن أعمال Comics لعامر كوخ ونتالي حجازي ورامي عفيفي. والمميز في أعمال عفيفي أنّ «الوحوش» في لوحاته تنتقم من ذاتها، بل تمارس نوعاً من المازوشية: هكذا، نشاهد في أحد أعماله «وحشاً» يقوم بانتزاع قلبه ويحمله نازفاً، كل ذلك بأسلوب الـ Naïve (السذاجة).
وفي زاوية صبري حكيم الذي يعمل مصوّراً محترفاً مع الـ CNN وGetty Images، تُعرض صور تهتمّ بالنزعة المَدَنِيّة، وتطوّرها من خلال الجسور العملاقة والأنفاق المضاءة والمباني. ولم يفلت منها إلا صورة لأربع نساء يجلسن على كنبة مهترئة في إحدى دور العجزة في عمّان. أما عند سيما بسطامي فتختلف الأجواء. اللوحات التي رسمت بثلاثة أو أربعة ألوان فقط، تعرض المعاناة من دون مواربة. من خلال 12 لوحة متفاوتة الأحجام، نشاهد شخصيات في أقصى لحظات انفعالها في أجواء تشبه أجواء دوستويفسكي القاسية والباردة بينما تتسمّر صرخات الشخصيات الأبدية، وخصوصاً في لوحة تصوّر فتاة تفتح فمها صارخة في الهواء على خلفية سوداء.
في زاوية منظم المعرض، بشار علاء الدين، تطالعنا لوحات أربع، تم الاشتغال عليها ــــ على برنامج الـ«فوتو شوب» ــــ انطلاقاً من صورة فوتوغرافية في الأساس، بعد تغيير الخلفيات الأساسية بطبقات جاهزة... لتنتهي اللوحة إلى شكل جديد، بألوان «غير طبيعية» ذات بطابع غرائبي: كأنّها صورة «مستقبليّة» futurist لمدينة عمّان كما يحب أن يتخيّلها علاء الدين الذي أضاف إليها قمراً خاصاً وسماءً جديدة.

Jordanian Art: Freshly Squeezed حتى 28 حزيران (يونيو) الحالي:
Foresight Art Gallery ــــ عمان: +962 6 5560080
www.foresightartgallery.com