Valkyrie يعيد هوليوود إلـى جراح الذاكرة الألمانيّةعوامل وجهات كثيرة متضافرة لا تريد للنجم الوسيم الذي تلاحقه لعنات الانتماء إلى الكنيسة السيانتولوجيّة، أن يكون الضابط النازي الذي حاول اغتيال الفوهرر ذات يوم من عام 1944. هل يدخل فيلم بريان سينغر تاريخ السينما من باب الكوارث الإنتاجيّة؟
محمد رضا
انتظر الجمهور طويلاً ذلك الفيلم التاريخي. بعدما كان مقرّراً إطلاقه في آب (أغسطس) المقبل، أُجّل إلى تشرين الأول (أكتوبر)... ثم شباط (فبراير) من عام 2009. كأنّ لعنةً تلاحقه منذ انخرط النجم توم كروز في الإعداد للفيلم الموعود الذي يتوقع له أن يثير الكثير من الجدل لدى نزوله إلى الصالات... بعدما واجه تصويره جدلاً كبيراً وعوائق ومشاكل لا حصر لها.
إنّه Valkyrie الذي يخرجه بريان سينغر، ويتناول قصّة الضابط الألماني كلاوس فون ستوفنبرغ الذي كان الرأس المدبّر ــــ مع مجموعة من الضبّاط النازيين ــــ لاغتيال أدولف هتلر خلال الحرب العالمية الثانية في ألمانيا. جرى تحديد موعد تنفيذ الاغتيال ومكانه ذات يوم من عام 1944، قام جهاز الاستخبارت الألمانية (غستابو) باكتشاف المخطّط قبل تنفيذ العملية بقليل، ما أحبط محاولة الاغتيال، وأدّى إلى إعدام المتآمرين، وعلى رأسهم ستوفنبرغ في ساحة بندلربلوك حيث أقيم لاحقاً النصب التذكاري للمقاومة الألمانية ضد هتلر. وقد تحوّل ستوفنبرغ بطلاً قومياً بالنسبة إلى الشعب الألماني... فكيف سيقبل الألمان بأن يقوم توم كروز بتجسيد شخصيّته في الشريط؟ الاعتراضات بدأت من عائلة الضابط الألماني ستوفنبرغ التي احتجّت على تجسيد كروز لهذه الشخصية التاريخية... ولم تنتهِ عند المسؤولين والسياسيين الألمانيين الذين احتجّوا على انتمائه إلى الكنسية «السيانتولوجية»، ما أدّى إلى تأخير انتهاء الشريط.
Valkyrie اسم يعود إلى تسمية نورماندية قديمة عن ملاك كان يختار موتى شجعاناً قضوا في القتال وأبدوا بطولات كبيرة، ليحملهم الى جنّة سمّتها الميثولوجيا القديمة «ڤالهالا». والملاك «ڤالكيري» كان يمتطي ذئاباً بأجنحة (وليس جياداً بأجنحة كما سار الاعتقاد لاحقاً). ووفقاً للكاتب الأميركي توماس بولفينتش (1796 ــــ 1867)، فإنّ الميثولوجيا الاسكندنافية القديمة ذكرت أنّ ڤالكيري كان يضيء سماء الشمال متى حلّ فيها... وهذا الحلول العجائبي كان صانعو فيلم Valkyrie في أشدّ حاجة إليه، وخصوصاً بعدما أخذت مشاكل هذا الإنتاج الكبير (أكثر من 100 مليون دولار أميركي) بالتضخّم وتضييق الخناق عليهم.
لننسى الحكايات التي تردّدت عن أنّ مؤسسات ألمانية عدّة، بعضها رسمي، رفضت منح رخص التصوير في مبانيها أو ممتلكاتها. هذه المسألة تمّ حلّها بعد فترة وجيزة... ليُطلق المخرج بريان سينغر كلمة «أكشن» على أوّل لقطة في 16 تموز (يوليو) من العام الماضي. ولا أهميّة للحكايات التي تحدّثت عن موقف الألمان والمسؤولين الألمانيين من الكنيسة السيانتولوجية التي ينتمي إليها كروز. صحيح أنّهم لا يحبّونها، وأنّها ممنوعة قانوناً في البلاد... لكنّ هذا النوع من المشاعر لا يؤدّي دوراً في المتاعب التي قد يواجهها الفيلم. المشاكل الفعلية تتعلّق بصميم عمليّته الإنتاجية.
لنبدأ من أوّل القصّة. الفيلم ــــ كما أسلفنا ــــ يتناول قصّة كلاوس فون ستوفنبرغ الذي كان ضابطاً في الجيش النازي، وخطّط لاغتيال أدولف هتلر. وأحد القرارات السريعة التي تم أخذها كي يكون الفيلم جاهزاً للعرض في منتصف حزيران (يونيو) من هذا العام، كان البدء بالتصوير من دون تعيين مَن يجسّد شخصية هتلر على أساس ربح بعض الوقت لتصوير المشاهد التي تتمحور حول ستوفنبرغ كما يؤدّيه توم كروز. هذا قبل أن يجري تعيين الممثل غير المعروف ديفيد بامر ليؤدّي الدور، بعدما رفض الدور كل من أرمين مولر ستول وبرونو غانز الذي أدّى شخصية الفوهرر في «السقوط» (Downfall) قبل أربعة أعوام.
المشكلة الحقيقية والأهم، في هذا النطاق، كانت تكمن في توم كروز نفسه. فبعد حوالى شهرين قضاهما في تعلّم اللغة الألمانية التي سيؤدّي بها عدداً من مشاهد الفيلم المهمّة، كان لا بد من أن يدخل التصوير بما تعلّمه... لكنّ ما تعلّمه لم يكن صحيحاً، إذ إنّ نطق كروز بالكلمات الألمانية كان «مثيراً للضحك». ومع أن معظم الفيلم ناطق بالإنكليزية، فإنّ اللكنة الكاليفورنيّة أعاقت صدقية الأداء بحدّ ذاتها.
إلى ذلك، أصاب العطب بعض المشاهد التي صوّرت حين دخلت المختبرات، ما تطلّب إعادة تصويرها. كما أنّ بعض المشاهد الأساسيّة التي كان يفترض تصويرها في النهاية لم تحترم مقتضيات جدول التصوير. فدخل الفيلم مراحل ما بعد التصوير، وهو لا يزال ناقصاً. هل هذا بسبب سيناريو ارتأى صانعو الفيلم إعادة كتابته، أم أن له علاقة بأنّ تلك المشاهد صحراوية تنتظر برمجتها لكي يجري تصويرها في ولاية أريزونا مثلاً؟
خلال هذه المشاكل، ارتفعت النفقات من 60 مليون دولار إلى 80 مليوناً ويُقال إنّها تعدّت سقف المئة مليون دولار، ولو أنه لا تتوافر أخبار مؤكدة عن سبب هذا الارتفاع. المؤكد أنّ عرضه لن يتم بعد شهر بل في شباط (فبراير) من العام المقبل. وهذا التأجيل الجديد الذي أعلن عنه أخيراً، يدفع هوليوود للتساؤل عما إذا كان «فالكيري» سيحقّق النجاح المنشود... أم أنّه سيسقط في أرضه من دون أن يتلقّفه أي ملاك من أي نوع، أو أيّة ميثولوجيا؟


اللعنة تلاحق United Artistsثم باتت «يونايتد أرتيستس» جزءاً من Metro Goldwyn mayer، والتزمت بأفلام ذات ميزانيات محدودة، باستثناء تلك التي كانت الأكثر ربحاً في تاريخها، وهي سلسلة أفلام جيمس بوند التي نجحت في إبقائها على قيد الحياة. وفي العام الماضي، كان لا بدّ لـMetro Goldwyn mayer من أن تتخلّص من تلك الشركة، لأنّها كانت بدورها مطروحة للبيع في صفقة بالغة التعقيد. وخلال الفترة نفسها كان توم كروز ينفصل عن Paramount، أو بالأحرى تخلّصت منه الشركة، بعدما تبيّن لها أنّ أرباحه الشخصيّة في الجزء الثالث من فيلم «مهمّة مستحيلة»، كان أعلى من إيراداتها... هنا اقتنص كروز الفرصة الذهبية واشترى United Artists.
مشروعه الأوّل كان Lions for Lambs دراما سياسية جيّدة لكنها تبقى محصورة في مشاهد يمكن أن يجد ضالته في شريط يرصد السياسة الخارجية الأميركية. تعثّر «أسود كحملان» لم يكن مهماً في الأساس. فقبل أن ينطلق في عروضه التجاريّة، كان كروز جهّز للفيلم الثاني الأكبر والأهم إنتاجياً وهو Valkyrie. لذلك تبدو كلّ الأنظار متجهة اليوم إلى هذا الفيلم الكبير الذي قرّر توم كروز القيام ببطولته. هل تعيش «يونايتد أرتيستس» الكارثة نفسها مرّتين في ثلاثة عقود؟...