رام الله ـــ يوسف الشايبحكايات كثيرة عن مطار القدس تضمّنها شريط المخرجة الفلسطينية ناهد عواد «خمس دقائق عن بيتي» الذي عُرض أخيراً في «مسرح وسينماتك القصبة» في رام الله. 52 دقيقة مدة الشريط الوثائقي الطويل الأول لعواد. والمخرجة الشابة تمكّنت، ببراعة فائقة، من كسر الرتابة، وتحطيم أي ملل يرافق عادةً الكثير من الأفلام الوثائقية الطويلة، عبر أنسنة الفكرة، ومن خلال اختيار الشخوص، وطريقة توظيفهم. الفيلم الذي عملت عليه عواد ثلاث سنوات، يتناول حكايات مطار القدس الدولي الذي لا يبعد عن منزلها في رام الله أكثر من خمس دقائق. هكذا، قابلت المخرجة عدداً ممن عملوا فيه، وبات جزءاً من تركيبة حياتهم، كيوسف حجار الذي لا يزال يحتفظ بالعديد من تذاكر الطيران، وشهادة أوّل راتب له عام 1956. حجار لا يزال يتذكّر تماماً يوم الثاني من أيلول (سبتمبر) عام 1962، حين أقلته طائرة خاصة مع عروسه إلى بيروت. يقول في الشريط «وافق مدير المطار على أن نسافر أنا وعروسي وحدنا في الطائرة، برفقة قائدها وإحدى المضيفات. كانت سابقة في تاريخ المطار».
أمّا زميلته هانية ياسمينة التي يعرّفنا بها الشريط من خلال صور فوتوغرافية جمعتها المخرجة من مصادر عدّة، فلا تزال تتذكّر كيف زار البابا مدينة القدس، عبر المطار، بعد أيام من خطبتها، وكيف جاءت لاستقباله طائرات كثيرة من دول العالم، وخاصة من بيروت.
كما تتذكر ياسمينة، وتقيم في العاصمة الأردنية، كمّاً كبيراً من الفنانين العالميين، والعرب، ممن زاروا الأراضي الفلسطينية، أو عبروا مطار القدس في طريقهم إلى بلد آخر، من بينهم عمر الشريف، وفاتن حمامة، وفريد الأطرش، ونجوى فؤاد. بل إنّها تتذكّر حوارات بعضهم معها ومع العاملين في المطار ، إضافة إلى عدد من الزعماء.
نورما حاطوم، لا تزال تقيم في «حارة المطار» رغم أنّها باتت منطقة شبه معزولة خلف الجدار، بل إنّها مهددة بالعزل بأبواب وأسلاك شائكة، ما قد يتطلب تصاريح خاصة لدخولها وخروجها، هي وبعض العائلات التي لم تغادر المنطقة.
حاطوم تتذكر الكثير من التفاصيل عن المطار، لكون سطح منزلها القريب منه كان بمثابة برج مراقبة. وهي تترحم على زمن كان للمطار ـ الذي وصفه أحدهم بأنّه «حزين، يئنّ ويبكي» ـ حكايات جميلة، إلا أنّها على قناعة كاملة بأنّ «الحق لا بد أن يعود لأصحابه ذات يوم»، آملة أن يأتي اليوم وهي على قيد الحياة.
ليس الفيلم وحده حكاية ممتعة ومؤثرة، بل أيضاً الدعوة الخاصة التي وُجّهت لحضور عرض الفيلم في رام الله. إذ كانت عبارة عن تذكرة طيران تعود إلى 15 آذار (مارس) عام 1960، مختومةً بختم شركة الطيران الأردني ـ القدس، وفي أسفلها عبارة «حضرتكم مدعوون في رحلة إلى مطار القدس»، ومن ثم تفاصيل العرض وموعده ومكان استضافته.
فكرة الفيلم ـ كما تقول عواد ـ بدأت من خلال حكايات أبو جميل، الشخصية المحورية في فيلمها الوثائقي القصير «الغرفة الرابعة» (2005)، حيث حدّثها عن رحلاته الأسبوعية إلى بيروت، عبر مطار القدس، لابتياع أحدث الكتب وقتها وبيعها في مكتبته.
الفيلم الذي عرض في مهرجان «سينما الواقع» في نيون في سويسرا، وفي سوق الأفلام في مهرجان «كان»، هو من إنتاج «كرفان فيلم» في تركيا، بالتعاون مع «عكا فيلم» في سويسرا، و«المنارة» للأفلام في فلسطين. ويبدأ الشريط بصور أرشيفية لمسافرين في ساحة المطار التي باتت منطقة عسكرية مغلقة، ولفلسطينيين يراقبون إقلاع الطائرات وهبوطها، وصوت يسترعي انتباه الركاب بأنّها دقائق قليلة ويحين موعد الهبوط إلى مطار القدس. فيما ينتهي بصوت عواد نفسها، وهي تقول بما يختصر كل الألم الفلسطيني جراء الاحتلال: «الجدار عم يطول ويمتد كل يوم. عم يغطي عليّ منظر المطار . يمكن أفضل ما أشوفه. هيك بيضل معي القصص اللي سمعتها، وصورة المطار أيام عزّه. يمكن أحسن ما أضل أشوفه، وأنا ما بقدر أسافر منه، أو حتى أقرّب عليه».