نوال العليلا يملك مَن يطّلع على المختارات المترجمة من مجلة «شعر» الفرنسية، إلا أن يقارن محتواها مع ما تصدره المجلات والإصدارات العربية المشابهة. إذ إنّ قراءة «عبور القرن العشرين» (المركز القومي للترجمة ــــ القاهرة) التّي أعدها وترجمها الشاعر شوقي عبد الأمير، تصيب بالبهجة في موضع تقديمها لمعرفة متخصّصة ودسمة... بينما يصاب المرء بالإحباط في موضع آخر، وذلك لدى مقابلتها بنظيرتها العربية التي غالباً ما تخلو من مواضيع سجاليّة كعلاقة الشعر بالفلسفة مثلاً.
تناول رئيس تحرير مجلّة «شعر» الفرنسية ميشيل دوغي في مقدّمته اللافتة، أهمية الملامح التي تقدم بها مجلة نفسها تقليدياً، لتخرج بوجه يشبه زمانها، وبعيداً عن إثارة هاجس الشيخوخة على فنّها من خلال تعاقب الأجيال. فالمختارات ــــ التي جاءت من أشعار Poésie الفرنسية التي نُشرت على مدى ثلاثين عاماً ــــ وإن كانت تمثّل حقبتها، لكنّها لم ولن تفقد طزاجتها الشعرية والمعرفية. ويبدو أنّ اختيار عبد الأمير لترجمة مقالات نثرية وقصائد شعرية نشرت من أعداد مختلفة، اعتمدت على ذائقته الشخصية، فانتقى قصيدة لشاعر هنا، أو أكثر من واحدة لآخر، ولم يكن هناك من حلقة تنظم هذه المختارات في سياق مفهوم، سوى أنّها خضعت لمزاج الشاعر العراقي المعروف، علماً بأنّه اختار أيضاً نشر قصائد من تأليفه في المجموعة.
قدّم عبد الأمير مختاراته التي ضمّت 35 اسماً بترجمة عذبة وسلسلة في الشعر، لكنّها جاءت مستعجلة أحياناً في النثر. في «العروج الليلي» لروبرت فالرز، يترجم عبد الأمير «كل شيء كان غريباً بالنسبة إليّ كل الغرابة... كانت المرة الأولى في حياتي التي أشاهد فيها ذلك، كنت بالقطار أجتاز جبلاً، كان ذلك عصراً، وكانت الشمس في منتهى الروعة...». ربما كانت تحتاج مثل هذه العبارات الوصفية إلى تدخل لغوي من المترجم يمنحها صوتاً أكثر طلاقة.
في الشعر، نقرأ بول سولان في قصيدة غير معنونة: «هذه السنة/ لن تخور/ سترمي عكسياً ديسمبر وشهر نوفمبر/ تحرث جروحها/ وتتفتح عليك أيها الجرن الفتيُّ/ قبوراً/ باثني عشر فماً».
ومن قصيدة «البحر القلق» لأنطوان سوليز: «أعلم من الآن بأني سأعاني من البرد/ نعم، من دونك سيبقى كتفي عارياً/ بعد اختفائك ستكون الحياة مرملة/ سريراً من ثلج/ ينتظرك طويلاً دون أن يلقاك».
ومن مختارات هذه المجموعة، نرى قصيدةً لأوجين ميشيل بعنوان «تاريخ طبيعي»، ومنها «لا صفحة في جيبي، أجلس هارباً من السأم/ أمام شجرة جوز تعرفت عليها سريعاً» أو في مقطع آخر «أوفيد يشبه نفسه بهذه الشجرة التي على قارعة الطريق/ يهاجمها المارة بالحجارة».
وبعنوان «ما الشعر؟»، نجد مقالاً لجاك دريدا، مثلما نقرأ لبيير لارتيغ في «صنع قصيدة غنائية». وثمة مقالات نقدية أيضاً لكلود موشار وجوليان غراك. أدونيس حاضر وكذلك صلاح استيتية، وجاك روبو وحبيب طنكور وغيرهم. أما أسماء النساء فقد غابت تقريباً عن المجموعة التي نُشرت خلال ثلاثين عاماً من أعداد «شعر»، وكنا نتمنّى أخيراً لو أن المترجم تكبّد عناء التعريف بالشعراء الذين وقع عليهم اختياره.