strong>سوبرمان، باتمان، سبايدرمان، آيرون مان... لا بدّ دائماً من بطل خارق ينتصر للعدالة، ويضرب أعداء القانون في الولايات المتحدة الأميركيّة. لكن ماذا يحدث حين يقرّر أحد هؤلاء الأبطال أن يذهب بحثاً عن الحقيقة ــ بل الحقّ ــ بعيداً عن بلاد العمّ بوش؟
محمد رضا
يسهل النظر الى أبطال «الكوميكس» الذين ينهالون علينا كل أسبوع، على أساس أنّهم تعبير عن رغبة الناس في البطل الخارق الذي لا يجدونه إلا على الشاشة. من «سوبرمان» إلى «باتمان»، ومن «سبايدرمان» إلى «آيرون مان»، هناك دوماً Superhero يساعد على تحقيق المجتمع العادل وضرب أعداء القانون. لكن هناك أكثر من هذا الجانب في سينما الـ«كوميكس». إذ إنّ الكثير من الكتّاب لم يرغبوا في رسم شخصية بلا مواصفات نفسية أو وجدانية. والنتيجة أنّ الـ«البطل الخارق» لا يقل أهمية، أدبياً، عن أي بطل آخر من أعمال مبدعين خارج حقل هذا الشكل الإبداعي. إنه هيركول بوارو بالنسبة إلى أغاثا كريستي، وفيليب مارلو لدى رايموند تشاندلر، والتحري ميغريه عند الفرنسي جورج سيمنون.
هذه الملاحظات تنطبق على فيلمين جديدين تمحورا حول شخصية البطل الخارق هما Iron Man و The Incredible Hulk. فيلم جون فافرو «آيرون مان» (بطولة روبرت داوني جونيور، سيناريو لاري ليبر، ورسوم دون هيك وجاك كيربي) يعود إلى شخصية وضعها ستان لي عام 1963. ويتناول قصّة توني ستارك، ابن صناعي أميركي من أكبر أثرياء أميركا، ورث عن والده تجارة الأسلحة التي يشتريها البنتاغون لمحاربة أعداء أميركا. فجأة، يكتشف توني أنّ ما يبنيه ينتقل ـــــ بصورة شبه غامضة ـــــ إلى أيدي الأعداء، وأنّ جنوداً أميركيين يُقتلون بالسلاح الذي كان يُفترض أن يكون سبيلهم للدفاع عن أنفسهم... أي قتل الآخرين.
في مطلع الفيلم، نرى توني الفخور، يجلس في قافلة عسكرية تتّجه به إلى المطار بعدما أنهى استعراض آخر ما بنته ترسانته لمسؤولين في الجيش الأميركي. فجأة، تتعرّض القافلة لهجوم من جماعة (لا يقول الفيلم إذا كانت القاعدة أو طالبان)، ويقع توني أسيراً وتُكشف هويّته لدى قيادة هذه المجموعة (نتعرّف إلى الممثلّ المصري ــــــ الأميركي سيّد بدرية كأحد هؤلاء القياديين). تطلب المجموعة من توني تصميم سلاح قوي لها. وفي غفلة عن محتجزيه، يبني توني بزةً حديدية مزوّدة بأجهزة قتالية فذّة يواجه بها المجموعة ويهرب بعد أن يقتل عدداً لا بأس به.
يعود توني إلى أميركا بمفهوم جديد، بعدما أدرك أنّ قافلته التي هوجمت، إنّما جرى تدميرها بأسلحة من صنعه. لذا، لن يصمّم هذه الأسلحة الفتّاكة بعد اليوم، بل سيطوّر مفهوم البزة الحديدية ويزوّدها بالأجهزة التي تجعل من مرتديها جيشاً حربياً فتاكاً. هذا الانقلاب في الموقف، يؤذي مصالح شريك والده أوباديا ستاين (جيف بريدجز)، نظراً إلى ما تحقّقه الشركة من أرباح طائلة في تجارة الأسلحة. لكنّ توني يصر على هذا الموقف، ولو أنه متذبذب سياسياً: لقد بات على يقين من أنّ السلاح هو وقود الحروب، وهو لا يريد أن يتعامل به... لكنه سيحوّل نفسه إلى ترسانة مدمّرة تواجه الأعداء. هذا التطوّر في شخصيّته يجعل شريك أبيه شريراً من حيث رغبته في مواصلة العمل، وخصوصاً عندما نكتشف أنه هو مَن يبيع السلاح إلى أعداء أميركا.
لكن مَن منّا لاحظ أنّ الانتقال من اليمين السياسي المتطرّف إلى الوسط تَمَّ بعد تجربة وقعت لتوني خارج الولايات المتحدة؟
هذه الظاهرة نقع عليها في فيلم آخر، هو «العملاق الخرافي» (The Incredible Hulk) الذي تخيّله أيضاً ستان لي ويُعرض حالياً في صالات «أمبير». بطل الشريط يعيش متخفّياً في ضواحي ريو دي جنيرو. والفيلم الذي أخرجه الفرنسي لويس لوتيرييه، يقدّم لنا بروس بانر (إدوارد نورتون) الذي يعمل في مصنع للمرطّبات في المدينة. إنّه أميركي تخفّى في الغابة البرازيلية محاولاً اكتشاف سرّ مرضه. إذ إنّه كلّما ارتفعت نسبة الأدرينالين في جسمه نتيجة الانفعال، تحوّل إلى عملاق قويّ. وبروس، الذي كان يوماً باحثاً معروفاً، مطلوب من الجيش الأميركي، بهدف إخضاعه لأبحاث جينية لتصميم جيش لا يُقهر. شخصية بروس تختلف عن كل الشخصيات الأخرى في الـ Comics، إذ إنّها أقربها إلى مفهوم دكتور جايكل ومستر هايد. كذلك، نلاحظ هنا أنّ العيش في دولة أخرى هو الذي خلق من بروس شخصيةً جديدةً يصبو إليها. الشخصية التي تتمالك أعصابها وتتحكم بانفعالاتها.
المشاهِد مدعو مع مطلع الفيلم إلى متابعة لقطة جويّة (من عين الصقر كما يسمّونها في الأفلام) إلى الضاحية التي اختارها بروس للاختباء فيها: الطائرة تمسحها جويّاً، فنرى مباني متراصّة تمتدّ على مساحة شاسعة والفقر الشديد والبيوت المتداعية والأزقّة الضيّقة والبيئة المعطوبة. إذاً، مرّة أخرى تكوين هذا الـ«سوبر هيرو» يتمّ خارج الولايات المتحدة!
في الفيلم الأوّل يتلقّى توني ستارك صفعة أفغانية ليفيق. في الفيلم الثاني، يعايش بروس بانر وضعاً إجتماعياً صعباً ليعي حقيقة الأمور... وكلاهما يقول بطريقة أو بأخرى إنّ أميركا ليست المكان الذي تستطيع فيه أن ترى الحقيقة!

The Incredible Hulk حالياً في سينما «غالاكسي»، «سينما سيتي» و«أمبير سوديكو»
www.circuit-empire.com.lb