strong>مهرجان «الأردن» الذي قام على أنقاض «جرش»، هل يدشّن عهداً جديداً على طريق خصخصة الثقافة والفنون، وتلزيم هذا القطاع الحسّاس إلى شركات أجنبيّة، وصديقة لإسرائيل، تغرف من المال العام من دون أن تخدم المواطن؟ وماذا تنفع حملات الاحتجاج والدعوة إلى المقاطعة؟
عمّان ــــ نور خالد
هل تندرج الهجمات الواسعة ضدّ فعاليات «الأردن» ضمن «الحملة الترويجية» للمهرجان الذي تنتشر لافتاته في شوارع عمّان؟ الأمر مستبعد حقّاً... فالتهمة الأساسيّة الموجّهة إلى المهرجان الوليد الذي يقام على أنقاض «مهرجان جرش» العريق يصعب تلفيقها: كيف ولماذا استعانت الجهة المنظّمة بخدمات شركة Publicis Group التي نظَّمت احتفالات الاحتلال الإسرائيلي بمرور 60 عاماً على «تأسيس دولته»؟
وزاد في الطين بلّة أن إدارة المهرجان لم تهتم حتّى بتسمية متحدث باسمها، للردّ على أسئلة الصحافيين ومواجهة الرأي العام، ما أثار استياء الجميع، وشجّع على قيام حملة واسعة نادراً ما تشهدها تظاهرة فنيّة جديدة، حتّى قبل أن يرتفع الستار عن عرضها الافتتاحي...
وتنبهت قوى المعارضة إلى ضرورة اتخاذ موقف، بعد كل الضجّة التي أحدثها المهرجان، علماً بأنها بقيت غائبة وصامتة طوال الفترة التحضيريّة، وخصوصاً عندما قررت رئاسة الوزراء إلغاء «مهرجان جرش للثقافة والفنون» واستبداله بـ«مهرجان الأردن». وهو القرار الذي تم تمريره بعد انتهاء الدورة العادية لمجلس النواب الأردني وقبل انعقاد الدورة الاستثنائية.
وما إن نشرت الصحف تقريراً، كشفت فيه عن خلفية Publicis Group السياسية، حتى انتقلت المواجهة إلى الساحة السياسية مباشرة. واشتعلت مواجهات داخلية ضارية، يحاول الإسلاميون فيها استعادة صوتهم المُغيَّب في الفترة الأخيرة، عبر تجيير هذه المواجهة لمصلحتهم في الشارع الأردني الذي يراقب يومياً تصاعد الأسعار والتضخم من دون أي ردّ فعل يذكر. وانضمّ إلى المعمعة خليط من القوى السياسيّة والنقابيّة: «لجنة حماية الوطن ومقاومة التطبيع» و«جمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية»، «حركة اليسار الاجتماعي الأردني»...
وكان السؤال البديهي الذي طرحه منتقدو المهرجان، هو ما الحاجة إلى شركة فرنسيّة ضخمة معروفة العلاقات والمصالح، إلى تنظيم مهرجان عربي؟ وأين الكوادر الوطنيّة والمؤسسات الأردنيّة؟ وخصوصاً أن مجموعة Publicis للإعلانات والاتصالات، نظَّمَت احتفالات الاحتلال الإسرائيلي بالعام الستين لتأسيس دولة إسرائيل، علماً بأن رئيس الشركة موريس ليفي معروف بصداقته للحركات اليمينية الإسرائيلية.
وبعدما سادت البلبلة على الساحة الإعلاميّة، وتضاربت المعلومات... ظهرت الحكومة أخيراً من خلال وزيرة الثقافة نانسي باكير، ووزيرة السياحة مها الخطيب، اللتين عقدتا مؤتمراً صحافياً صدر عنه نفي قاطع بأن يكون لـ Publicis Group أيّة علاقة بتنظيم المهرجان. يبدو أن الشركة موضع الخلاف والسجال اكتفت بـ«تقديم النصح» للشركة المنظمة، وهي Les Visiteurs Du Soir الفرنسية أيضاً، علماً بأن هذه الشركة تروّج لفنانين عالميين، بينهم مغنية الأوبرا الأميركية جوليا ميغينيس والجزائرية بيونة اللتان تشاركان في مهرجان «الأردن».
وفي حديث إلى «الأخبار»، أشار رئيس رابطة الكتاب الأردنيين سعود قبيلات إلى أن «الجهات المسؤولة لم تنفِ دور Publicis Group في تنظيم المهرجان الذي أصبح وضعه سيئاً قبل أن يبدأ»... متسائلاً «إن كانت هناك صفقات سياسية ستعقد على هامش المهرجان؟!». وأكد أن رابطة الكتاب لم يكن لها دور مباشر في مهرجان «جرش»، إلا أن «الكوادر التي عملت طويلاً في مهرجانات أردنية عريقة، هي أقدر على برمجة مهرجان للجمهور العربي، والتعامل مع الفنانين العرب والعالميين من شركة أجنبية». وأبدى قبيلات استغرابه من الاستعانة بشركة أجنبية ودفع مبالغ كبيرة «على حساب ميزانية المهرجان وحساب الشعب الأردني».
في الاتجاه نفسه، صرَّح نقيب الفنانين الأردنيين شاهر الحديد لـ«الأخبار» عن إجراءات تصعيدية لمقاطعة المهرجان شعبياً، من خلال اعتصامات، يعلن عنها في مؤتمر صحافي يحدد لاحقاً. وكشف عن اتصالات تجريها النقابة بالنقابات الفنية العربية، للضغط باتجاه مقاطعة فنانيها للمهرجان، وتحديداً نقابتي الفنانين المصرية واللبنانية. إذ ترتبطان مع نقابة الفنانين الأردنيين باتفاقات محاربة التطبيع.
وأكّد شاهر الحديد أنه اتصل مباشرة بعدد من الفنانين العرب، لوضعهم في الصورة، لكنّه فضّل عدم ذكر أسمائهم، تفادياً لتعريضهم لمختلف أشكال الضغوط من قبل المنظمين. وتؤكد مصادر نقابة الفنانين أن الشركة المنظمة تقاضت مبلغ مليوني دينار (أقل من 3 ملايين دولار). ما يثير استغراب شاهر الحديد واستنكاره: «هذه أول مرة في حياتي أشهد مثل هذا الأمر. في العادة يدفع متعهد الحفلات للدولة، لا العكس»، مشيراً إلى أن في حوزته معلومات موثّقة تخوّله أن يقدّر ميزانية المهرجان للعام المقبل بـ 30 مليون دينار.
وكل التكهّنات والسيناريوهات والمزايدات تبدو ممكنة في هذا المناخ، وخصوصاً أن الحدّ الأدنى لأسعار تذاكر الدخول إلى حفلة المصري محمد حماقي، أو الأردني طوني قطان في جبل القلعة، تقارب الـ 14 دولاراً... بينما تراوح بقية الأسعار بين 20 و85 دولاراً لحفلة بلاسيدو دومينغو، والسوبرانو الأميركية جوليا ميغينيس، ومونيكا يونس في المسرح الجنوبي في جرش. ما يدفع بالحديد إلى اعتبار المهرجان الجديد «للميسورين فقط».... بعدما كانت تقام في ساحات «جرش» فعاليات مجانية للفرق الموسيقية العربية والدولية.
أما الحديث عن المقاطعة، فيبدو بالنسبة إلى كثير من المراقبين، مجرّد أوهام رومانسيّة. فمهما بلغ حجم تلك المقاطعة، سيبقى صوتها خافتاً على الأرجح، مقارنةً مع التحضيرات الضخمة، علماً بأن الحملة الترويجية التي تنطلق في الثامن من تموز (يوليو)، كلّفت مبالغ ضخمة. ذلك أن لجنة التنسيق العليا لـ«الأردن»، مصرّة على اللجوء إلى خدمات الشركة موضع الخلاف، ضاربة عرض الحائط بحملة الاحتجاج الواسعة في عمّان، ومتجاهلة الآثار السلبيّة التي قد تلحق بالمهرجان الوليد من جرّاء ذلك!
وتضم لجنة التنسيق العليا وزراء الثقافة والسياحة والبلديات، ورئيس لجنة المحافظة على التراث في مجلس الأعيان العين عقل بلتاجي، وأمين عمّان، والأمين العام لوزارة الثقافة، والمدير العام لهيئة تنشيط السياحة، ومديرة مركز الفنون الأدائية لينا التل، والمخرجة المسرحية سمر دودين.
ولم يعد يخفى على أحد أن «مهرجان جرش» ألغي بقرار سياسي، يبدو أن الجانب الاقتصادي منه كان حجّة لا أكثر. ذلك أن ديون «جرش» التي بلغت حتى افتتاح الدورة الخامسة والعشرين، 249 ألف دينار ـــــ بحسب مدير المهرجان آنذاك جريس سماوي ـــــ كان من الممكن إعادة تدويرها، بدلاً من خوض مغامرة استثمارية وثقافية غير محسوبة في مهرجان «الأردن» البديل، وخصوصاً أن الضغوط الاقتصادية تشجّع بعض الأصوات على المطالبة، بين حين وآخر في مجلس الأمة، بالتخفيف من الإنفاق على الثقافة.


حشد من النجوم
تطغى على برنامج المهرجان في دورته الأولى، الأسماء الكبيرة. وتبدأ فعالياته في الثامن من تموز (يوليو) وتستمر حتى الثامن من آب (أغسطس).
على مسرح جبل القلعة في عمّان، يقف الفنانون: فضل شاكر، يارا، هيثم الشوملي، عبد الله الرويشد، حسين السلمان، عاصي الحلاني، ديانا كرزون، راغب علامة، صوفيا المريخ، زياد صالح، محمد حماقي وطوني قطّان.
وفي المسرح الجنوبي في جرش، تقام ليلة جزائرية تضم الشاب فضيل والمغنية بيونة، والشاب خالد وأوركسترا بابرز الوطنية. وهناك حفلة أخرى تضم إليسا، جورج وسوف، وعمر العبدللات وأخرى لعمرو دياب. هناك أيضاً حفلات لديانا كرال وبلاسيدو دومينغو وجوليا ميغينيس ومونيكا يونس، بينما يحيي ميكا حفلة في البحر الميت.
وضمن الفعاليات الفنية، يشارك أيضاً المخرج الأميركي دافيد لينش (وهو شكر في بيان صحافي زوجة الرئيس الفرنسي السابقة سيسيليا على دورها في تنظيم المهرجان!)، إلى جانب المصور ستيف ماكوري، والمصور اللبناني نديم أصفر، والمصري يوسف نبيل، والفلسطيني تيسير بطنيجي، والأردنيين رامي السجدي، ودانا خريس ورنا الصفدي.
وكان اسم محمد عبده مدرجاً في برنامج المهرجان، لكنه استبعد في ما بعد، وبحسب مصادر لـ«الأخبار» استغرب الفنان جورج وسوف إدراج اسمه ضمن المشاركين، فهو لم يوقّع عقداً مع أحد!