خليل صويلحينتسب عمل سعدالله ونوس «أحلام شقية» إلى سلسلة نصوص أنجزها خلال مرحلة مرضه، وقبل رحيله مباشرة (15/5/1997)، في هذه النصوص، يسعى المسرحي السوري إلى تشخيص الداء الذي يضرب المجتمع العربي. بعد تشريح الهزيمة والتخلّف والاشتغال على التراث والتاريخ، يتأمل صاحب «طقوس الإشارات والتحوّلات» الواقع الاجتماعي، ومنظومة القيم التي تؤطر مجتمعاً متخلّفاً رازحاً تحت وطأة التقاليد الصارمة التي تهيمن عليها البنية الذكورية. هكذا جاءت نصوص مثل «الأيام المخمورة» و«يوم من زماننا»، و«أحلام شقية» لتتوّج مرحلة إبداعية في مسيرة ونوس الذي كثيراً ما احتفى في وقت سابق بـ «مسرح التسييس» باعتباره عتبةً أساسيةً للتغيير.
في «أحلام شقية» التي تقدّمها المخرجة نائلة الأطرش حالياً للمرّة الأولى في دمشق، (إنتاج الأمانة العامة لاحتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية ــــ 2008)، يضع الكاتب يده على أصل البلاء: العائلة... هذه البنية القائمة على التخلّف والجهل والصمت والاستكانة، كيف بوسعها أن تنتج إلا العلاقات المشوّهة؟ من خلال مونولوغات طويلة، يتسلل إلى الزوايا المعتمة في حياة امرأتين، تعيشان حالة القهر والاستلاب نفسها، وإن اختلفت بيئتاهما. ماري فقدت جنينها الأول وحُرمت الإنجاب بسبب مرض نقله إليها زوجها ليلة العرس، فودّعت البهجة إلى الأبد. وغادة تزوجت ابن عمها العسكري، الذي لا يجيد سوى القمع.
عمل نائلة الأطرش يبدو تبسيطياً في مقترحه الدرامي وحلوله الإخراجية، عدا بعض الالتماعات العابرة هنا وهناك. خشبة عارية يتوسطها سرير، تتناوب عليه العائلتان في مكابدات يومية تكشف عن شروخ عميقة بين كل زوجين على حدة. أجساد محرومة اللذة والدفء، وسرير بارد يفتقد الحب والألفة، يتحوّل إلى مكان للاغتصاب، وتصير الملاءة البيضاء كفناً أو فستان عرس، في لحظة حلم مؤجل وعصيّ على التحقّق. ويأتي شاب غريب ليستأجر الغرفة العلوية. فيستيقظ الأمل في صدر ماري (نجوى علوان) التي تقتنع في هلوساتها اليومية بأنّ الشاب الغريب هو ابنها الغائب منذ 26 سنة. فيما تقع الزوجة الشابة غادة (ناندا محمد) في حبه كتعويض عما فاتها مع ابن العم. لن نلتقي هذا الشاب وجهاً لوجه، بل سيظهر في حلم ماري، وربما في حلم آخر لغادة نتيجة لالتباس إخراجي واضح. إذ تبدو مجريات الحلم من خارج سياق السرد الحكائي، كأنه مستقىً من إحدى مسرحيات لوركا عن مقتل شابة بخنجر شقيقها قبل أن يلقي جثتها في النهر، على خلفية قصيدة للشاعر بدر شاكر السياب «عيناكِ غابتا نخيل ساعة السحر».
ويتآمر الرجلان (كفاح الخوص وجمال سلوم) على الغريب فيطردانه من البيت. لكن بعدما زرع الأمل وروح التمرّد في حياة ماري وغادة البائسة. هكذا ينتهي بهما الأمر إلى محاولة تسميم الزوج، لكن بدلاً من الزوج، يتسمم الطفل الوحيد.
نلاحظ ابتساراً واضحاً في دور غادة لجهة التعبير عن رغباتها وشهوات الجسد المقموع. كما يحيل العرض إلى مراجع مسرحية مألوفة حول شخصية الغريب، من لوركا في «بيت برناردا ألبا» إلى أوغو بيتي في «جزيرة الماعز». لكنّه يبقى أفقياً، لافتقاره إلى القراءة الإخراجيّة المركّبة، وخصوصاً أنّ الإشارات في سياق الحوار تعود إلى حقبة الخمسينيات: كأن الزمن توقف هناك!

حتى27 حزيران/ يونيو ـــ دار الأوبرا، دمشق:
+963-11-2457422