بشير صفيرعندما ينتهي القارئ من كتاب «الإبداع في الموسيقى، بين الإرضاء والألم!!» (منشورات بيسان ــــ 2008) لنادية كريت، يجد نفسه عاجزاً عن الإجابة عن سؤالين محوريَّيْن: من أين يبدأ؟ وأين ينتهي؟ بمعنى آخر وباختصار، هناك الكثير من الملاحظات السلبية على الكتاب، على مستوى الشكل والمضمون والرؤية والهدف والمهنية الأدبية والموسيقية.
بداية، لا مفرّ من الإشارة إلى ملاحظة إيجابية تكاد تكون يتيمة، هي أنّ مؤلفة الكتاب تعشق الموسيقى وتقدّرها من دون أي شك، بل تجعل منها أحد محاور حياتها الشخصية، رغم محدودية الاطلاع في هذا المجال. هذا أمر جيدٌ، لكنّ كريت أخطأت التعبير في انتقائها أضعف، بل أسوأ وسائله، أي الوسائل التي بدا أنّ الكاتبة لا تملك كتيِّب «طريقة الاستعمال» الخاصة فيها.
في مطلع الكتاب إهداءٌ إلى نزار مروة. وهذا الإهداء قد يخدعك، إذ تخال أنّ الكتاب قيمة موسيقيّة قد ترتقي إلى مستوى هذا الإهداء. ثم تبدأ المؤلفة بتناول أصل الفن وماهية الجمال والموسيقى وعلاقة الفلسفة والأدب بهما، وبالاستشهاد بأسماء كبيرة، وإقحام عبارات وعناوين مؤلفات موسيقية كتبت تارةً بين مزدوجين وتارةً من دونها، تارةً بأحرف عربية وتارةً بأحرف لاتينية خاطئة، لا مجال لإحصائها. فضلاً عن المعلومات والمفاهيم الخاطئة، رغم سهولتها، والأخطاء اللغوية، وأخطاء المبدأ وأخطاء الطباعة وأخطاء الترجمة، وغيرها من الأخطاء بكل فروعها شكلاً ومضموناً: فإذا بالألماني أصبح نمساوياً، وكُتب اسمه في الصفحة نفسها مرة «بيتوهفن» ومرة «بتهوفن» ومرة «بيتهوفن»، وسوناتته الـ 21 للبيانو المسماة «فالدشتاين» أصبحت «فالوشتاين». وأصبح لـ«ماشو» (أي المؤلف غييوم دو ماشو) 1300 أوبرا. يا إلهي! فهذا المؤلف تُوفِّي عام 1377، أي قبل أكثر من مئتي سنة من تأليف أول أوبرا في التاريخ (حوالى سنة 1594)، وما الـ1300 سوى سنة ولادته!
ويتمحور الكتاب حول حوارات مع الفنانين: عبد الرحمن الباشا، وليد غلمية، إلياس الرحباني، ملحم بركات، أحمد قعبور، إيلي شويري وشربل روحانا، إضافة إلى كلام لمارسيل خليفة، وكلام آخر عن الراحلين عاصي الرحباني وتوفيق الباشا. الحوارات تدور حول مجموعة أسئلة طُرِحت نفسها على الموسيقيين المذكورين. أسئلة لا رابط بينها، بعضها مقبول ومعظمها لا يفلت من فخّ التفاهة، ومنها ما لا معنى له سوى أنّه خاطئ، أي كالذي يوحي أنّ اسم أحد المؤلفين (برامز) هو عنوان السمفونية الأولى لبيتهوفن، ودعتها الكاتبة «برامس»، ونورده بالتالي كما ورد حرفياً في الصفحة 47 من الكتاب (إذ كُتِب بشكل مختلف كلّ مرّة): «استغرق تأليف السمفونية الخامسة «بيتهوفن» 5 سنوات ولقد ألفها تحت تأثير ضربات القدر له. أما السمفونية الأولى «برامس» فقد استغرقت 20 سنة». كيف تفسِّر ذلك؟
ربّما كان من الضروري أن نتحفظ هنا: هل المعلومات الخاطئة آتية من الكاتبة نادية كريت، أم من المصادر التي استندَت إليها (وهي مُفهرَسة في ختام الكتاب)؟ إذا كان كتاب «وصايا مغبونة» للأديب التشيكي الكبير ميلان كونديرا قد نال عام 1996 جائزة «مؤسسة المؤلفين الموسيقيين الأميركيين» كأفضل كتاب عن الموسيقى... فهل ينال «الإبداع في الموسيقى، بين الإرضاء والألم!!» جائزة أسوأ كتاب عن الموسيقى لعام 2008 أو... في التاريخ المعاصر؟
بشير...